يطبخ لهم الطعام ، ويغسل لهم ثيابهم على الدوام ، ويسخّن لهم الماء ليلا للاستنجاء ، وإذا اتّسخت رؤوسهم ذهب بهم إلى الحمّام ، وعندهم يأكل ويشرب ، وينام فليله لهم ، ونهاره لغيرهم من الأنام ، لا يختفي عن من قصده ولو للسلام ، ولا يعتذر عن حاجة ولو أقام في قضائها كثيرا من الأيام ، ظاهر الاحتشام ، كثير الابتسام ، قليل الملام ، يرعى الذمام ، ويكرم الأيتام ، صحب المشايخ الأعلام بمصر والشام ، في طريق الشريعة والحقيقة ، وأخذ في العلوم الظاهرة والدقيقة ، صحب عمّي الشيخ نجم الدين فتفرّس فيه الخير عن يقين ، فاصطفاه لصحبته ، وزوّجه بابنته وسوّاه بمهجته ، وعدّه لملازمته ، فما خابت فراسته ، ولا ضاعت تربيته ، وكان لأولاد الكمال أشفق من عم وخال ، يبذل لمصالحهم الجاه والمال ، ولا يرجع عن خدمتهم على كلّ حال ، وخصّصني من بينهم بعظيم الأنس ، وساواني بالمال والنّفس ، ولم أنل خيرا إلّا وقد كان السبب فيه ، لاجرم من الدعاء لا أخليه ، وأرجو من فضل ذي المنّة أن آخذ يده بيدي ، وندخل الجنّة ، وله من الفضل والشّأن ما لا يناسب التّطويل بذكره في هذا الكتاب والمكان ، إذ لكلّ مقال ، وفي الجملة من سادات الرّجال.
ومنهم اللطيف الذّات ، الجميل الصّفات ، المعدود من أصحاب المروءات ، الموصوف بالفضل المعروف بالعقل ، الحسن التّدبير ، المداري صارم الدين من السّلاري ، ذو الذكاء والفهم ، والاجتهاد في طلب العلم ، والباحث عن الفضائل ، والكاشف عن أخبار الأواخر والأوائل ، وله في صناعة الإنشا يد طولى ، ومن معرفة الأدب وصحبة الملوك حظ أوفى ، لا جرم له الحظوة من الملوك ، والنّوّاب ، والعلماء ، والكتّاب ، صحب المقر الأشرف السّيفي منكلي بغا ، فتجوهر وتدرّب ، وشاهد وجرّب ، ثمّ صحب المقر الأشرف علمدار مربي الملوك الكبار ، فأقام ببابه يكتسب من آدابه ، في الخير يتكلّم ، وعن الشّر يتباعد ليسلم ، إن