عبد الملك أحمد بن إبراهيم ، نا محمّد بن عائذ ، قال : قال الوليد : وأخبرني غير واحد :
أن طاغية الروم لما رأى ما صنع الله للمسلمين منعة مدائن الساحل ، كاتب أنباط جبل لبنان واللّكام (١) ، فخرجوا جراجمة فعسكروا بالجبل ، ووجه طاغية الروم فلقط البطريق في جماعة من الروم في البحر فسار بهم حتى أرساهم بوجه الحجر ، وخرج بمن معه حتى علا بهم على جبل لبنان وبث قواده في أقصى الجبل ، حتى بلغ أنطاكية وغيرها من الجبل الأسود ، فأعظم ذلك المسلمون بالساحل ، حتى لم يكن أحد يقدر يخرج في ناحية من رحا (٢) ولا غيرها إلّا بالسلاح (٣).
قال الوليد : فأخبرنا غير واحد من شيوخنا أن الجراجمة غلبت على الجبال كلها من لبنان وسنير (٤) وجبل الثلج وجبال الجولان ، فكانت باسبل مسلحة لنا في الرقاد ، وعقربا الجولان مسلحة حتى جعلوا ينادون عبد الملك بن مروان ، من جبل دير المرّان (٥) من الليل ، حتى بعث إليهم عبد الملك بالأموال ليكفوا حتى يفرغ لهم ، وكان مشغولا بقتال أهل العراق ، ومصعب بن الزبير وغيره.
قال : ثم كتب عبد الملك إلى سحيم بن المهاجر في مدينة أطرابلس يتواعده ويأمره بالخروج إليهم ، فلم يزل سحيم ينتظر الفرصة منهم ويسأل عن خبرهم وأمورهم ، حتى بلغه أن فلقط في جماعة من أصحابه [في قرية من قرى الجبل ، فخرج سحيم في عشرين رجلا ، من جلداء أصحابه و](٦) قد تهيأ بهيئة الروم في لباسه وهيئته وشعره وسلاحه متشبها ببطريق من بطارقة الروم ، قد بعثه ملك الروم إلى جبل اللّكام في جماعة من الروم فغلب على ما هنالك ، فلما دنا من القرية خلّف أصحابه وقال :
__________________
(١) اللكام بالضم وتشديد الكاف ويروى بتخفيفها ، وهو الجبل المشرف على أنطاكية وبلاد ابن ليون والمصيصة وطرسوس وتلك الثغور (معجم البلدان).
(٢) كذا بالأصل وابن العديم بالحاء المهملة ، وفي ياقوت : رجا ، بالجيم مقصور ، قال ياقوت : كل ناحية رجا (معجم البلدان).
(٣) في الأصل : بالساحل ، والصواب المثبت عن م ومختصر ابن منظور ٩ / ٢٠٩ وبغية الطلب ٩ / ٤١٨٨.
(٤) مهملة بالأصل بدون نقط ، والمثبت عن ياقوت ، وسنير : جبل بين حمص وبعلبك على الطريق وعلى رأسه قلعة سنير.
(٥) دير المران : بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ، وبناؤه بالجص. (ياقوت).
(٦) ما بين معكوفتين زيادة عن م وانظر بغية الطلب ٩ / ٤١٨٨.