انتظروني إلى مطلع كوكب الصبح فدخل على فلقط وأصحابه وهم في كنيسة يأكلون ويشربون ، فمضى إلى مقدم الكنيسة ، فصنع ما يصنعه النصارى من الصلاة والقول عند دخول كنائسها ، ثم جلس إلى فلقط فقال له : من أنت؟ فانتمى إلى الرجل الذي يتشبّه به فصدّقه وقال له : إني إنما جئتك لما بلغني من جهاز سحيم ، وما اجتمع به من الخروج إليك لأخبرك به وأكفيك أمره إن أتاك ، ثم تناول من طعامهم ثم قال لفلقط وأصحابه : إنكم لم تأتوا هاهنا للطعام والشراب ، ثم قال لفلقط : ابعث معي عشرة من هؤلاء من أهل النجدة والبأس حتى نحرسك الليلة فإني لست آمن أن يأتيك ليلا فبعث معه عشرة وأمرهم بطاعته ، فخرج بهم إلى أقصى القرية وقام بهم على الطريق الذي يتخوفون أن يدخل عليهم منه ، فأقام حارسا منهم ، وأمر أصحابه فناموا وأمر الحارس إذا هو أراد النوم ، أن يوقظ حارسا منهم وينام هو ، فحرس الأول ثم أقام الثاني ، ثم قام سحيم الثالث ثم قال : أنا أحرس فنم ، فلما استثقل (١) نوما (٢) قتلهم بذبابة سيفه رجلا رجلا ، فاضطرب التاسع فأصاب العاشر برجله ، فوثب إلى سحيم فاتخذا وصرعه الرومي وجلس على صدره واستخرج سحيم سكينا في خفة ، فقتله بها ثم أتى الكنيسة ، فقتل فلقط وأصحابه رجلا رجلا ثم خرج إلى أصحابه العشرين فجاء بهم ، فأراهم قتله من قتل من الحرس وفلقط ومن في الكنيسة ووضعوا سيوفهم فيمن بقي ، فندر بهم من بقي منهم ، وخرجوا هرابا حتى أتوا سفنهم بوجه الحجر ، فركبوها ولحقوا بأرض الروم ورجع أنباط جبل لبنان إلى قراهم.
أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز بن أحمد ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا محمّد بن عائذ ، ثنا الوليد ، قال : لما ولي الوليد بن عبد الملك ولّى غازية البحر ثلاثة نفر من الموالي : سحيم بن المهاجر ، وأبا خراسان ، وسفيان الفارسي.
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وصوابه : فلما استثقلوا.
(٢) بالأصل : يوما ، والمثبت عن م ومختصر ابن منظور ٩ / ٢١٠ وبغية الطلب ٩ / ٤١٨٩.