الرّين (١) من القلوب ، وأن لا يكون لكل ما يهوى ركوب (٢).
أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكي ، أنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن إبراهيم بن الحكاك ، أنا الحسين بن علي بن محمّد الشيرازي ، أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الهمداني ـ بمكة ـ نا أبو محمّد جعفر بن محمّد ، نا أبو القاسم الجنيد بن محمّد قال :
سمعت أبا الحسن سري ـ رحمهالله ـ يقول : لم أر شيئا أحبط للأعمال ولا أفسد للقلوب الحانية ، ولا أضر بالحكمة ، ولا أنجع في هلكة العبد ، ولا أدوم للاضرار ، ولا أبعد من الاتصال ، ولا أقرب من المقت ، ولا ألزم لمحجّة العجب والرياء والتزين من قلة معرفة العبد بنفسه ونظره في عيوب غيره ، لا سيما إن كان مشهورا معروفا بالعبادة والصلاح ، وامتدّ له الصوت ، وبلغ من الثناء ما لم يكن يأمله ، تضيء له نفسه في الأماكن الخفية وسراديب (٣) الهوى فاختبأ (٤) بعد المحادثة ، وصمت بعد النظافة ، وأظهر الخمولة بعد الشهرة ، وأظهر الهرب من الناس فلم يبرز إلّا للخواص ، ونالت النفس مناها ، كل ذلك لجهله بنفسه ، وعماه عن عيوبها ، وقبول قوله في إسقاط الناس ، وقوله : فلان يجالس وفلان احذروه ، ويأمر وينهى ، ويثني على من تهواه نفسه ، فإن اغتيب عنده من لا يهواه قال : اهبطوا (٥) ستر الفجرة ، واذكروا الفاجر بما فيه وإن اغتيب من يهواه غضب ونهى عن ذلك ، وروى أحاديث النهي عن الغيبة وقد شرب السموم القاتلة ، ويصير غضبه ورضاه لنفسه ، ويرى أنه محسن يلوم أهل النقص والتقصير ويتنزّه على من لا يعرفه ، ويقبل صلة من يهواه ، ويأنس به ، فهلك وأهلك ، ونجا من صحّت معرفته بنفسه ، واشتغل بها ، فلم يكن له صديق ولا عدو ، ولا يخالط الأشرار ، ولا يشتغل عن الله بالأخيار ، ولا يمدح ولا يذم ، وكيف له أن يسلم من شرّ نفسه وعدوه؟ فكيف من جهل شر نفسه ، والإزراء على غيره؟.
أخبرنا أبو محمّد إسماعيل بن أبي القاسم القارئ ، أنا عمر بن أحمد ، قال :
__________________
(١) الرين : كالصدإ يغشى القلب (اللسان).
(٢) الخبر في حلية الأولياء ١٠ / ١٢٤.
(٣) بالأصل وم : وشراريب ، والمثبت عن مختصر ابن منظور ٩ / ٢٢٦.
(٤) بالأصل : «فاختبي» والصواب ما أثبت.
(٥) في المختصر : اهتكوا.