حبيب الكندي التّمّار ، حدّثني كثير النواء عن عبد الله بن مليل قال : جاء سعد بن أبي وقاص فدخل على معاوية فقال : ما منعك من القتال؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هبّت ريح مظلمة فلم أبصر الطريق فقلت : أخ أخ فأنخت حتى أسفرت عني فركبت الطريق فقال له معاوية : والله ما قال الله في شيء مما أنزل إخ ولكنه قال : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ)(١) فو الله ما كنت مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة على الباغية ، ولا أصلحت كما أمرك الله ، فقال له سعد : إنك لتأمرني أن أقاتل رجلا سمعت فيه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول له :
«أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبيّ بعدي» فقال له معاوية : من سمع هذا معك؟ فقال : فلان وفلان ، وأم سلمة؟ فقال : فلان وفلان وأم سلمة فقال : والله لو سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما قاتلته.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور ، أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو بكر ، أنا أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن بشر ، نا محمّد بن علي بن راشد الطبري ـ بصور ـ وأحمد بن حازم بن أبي عروة الكوفي ، قالا : أنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، نا سهل بن شعيب النهمي (٢) ، عن عبيد الله بن عبد الله المديني ، قال : حجّ معاوية بن أبي سفيان فمرّ بالمدينة ، فجلس في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، فالتفت إلى عبد الله بن عباس فقال : يا أبا عباس إنك لم تعرف حقنا من باطل غير نا ، فكنت علينا ولم تكن معنا ، وأنا ابن عم المقتول ظلما ـ يعني عثمان بن عفان رضياللهعنه ـ وكنت أحق بهذا الأمر من غيري فقال ابن عباس : اللهم إن كان هكذا فهذا ـ وأومأ إلى ابن عمر أحق بها منك لأن أباه قتل قبل ابن عمك ، فقال معاوية : ولا سواء ، إن أبا هذا قتله المشركون وابن عمي قتله المسلمون ، فقال ابن عباس : هم والله أبعد لك وأدحض لحجتك. فتركه وأقبل على سعد فقال : يا أبا إسحاق ، أنت الذي لم تعرف حقنا ، وجلس فلم يكن معنا ولا علينا. قال : فقال سعد : إني رأيت الدنيا قد أظلمت فقلت
__________________
(١) سورة الحجرات ، الآية : ٩.
(٢) كذا رسمها بالأصل.