مسرعا فلما تعرّا عني قميص الليل ، إذا أنا بقباب شامية من أدم مع شعف الجبال مضروبة بأنطاع الطائف ، وإذا أنا بجزائر تنحر ، وأخر تساق ، وإذا أنا برجل كأن الشّعرى توقد في جبينه ، كأن في وجهه اليساريع ، عليه عمامة سوداء قد أخرج من ملاءتها جمّة فينانة على كرسي ساسم تحته نمرقة ، بيده قضيب يتخصر به ، حوله مشيخة جلة نواكس الأذقان ما منهم أحد يفيض بكلمة ، وإذا أنا بأكلة وحثثة على الطهاة ألا تعجلوا ، وإذا أنا برجل مجهر على نشز ينادي : يا وفد الله من تغدا فليرجع إلى العشاء فجهزني (١) ما رأيت ، وقد كان نمي عن حبر من أحبار الشام أن النبي المبعوث هذا أوانه فدنوت فقلت : السلام عليك يا نبي الله فقال لي : مه لما وكأن قد وليتني ، فقلت لرجل : من هذا؟ قال : هذا أبو نضلة هاشم بن عبد مناف ، قال : فقلت : هذا والله المجد ، لا مجد بني جفنة.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا عبد الله بن الحسن الخلّال ، أنا الحسن النّوبختي ، نا علي بن عبد الله ، نا عبد الله بن أبي سعد ، حدّثني إسحاق بن محمّد الكوفي ، نا العلاء بن الفضل ، نا عبّاد ، وداود ابنا كسيب (٢) ، عن أبي عتوارة الخفاجي ، عن سعد بن سوادة العامري ، قال : كنت عسيفا لعقيلة من عقائل الحي أركب لها الصّعبة والذّلول ، أتهم مرة وأنجد أخرى ، لا ألين (٣) مطردا في متجر من المتاجر إلّا أتيته ، يدفعني الحزن إلى السهل ، أو السهل إلى الحزن ، فقدمت من الشام بخرثة وأثاث أريد به كبّة العرب ودهماء (٤) الموسم (٥) ، فدفعت إلى مكة بليل مسدف فحططت عن ركابي ، وأصلحت من شأني ، فلما أضاء لي جلباب الفجر رأيت قبابا تناغي شعف الجبال ، مجلّلة بأنطاع الطائف ، فإذا بدن تنحر وأخر تساق ، وإذا طهاة وحثثة على الطهاة : ألا اعجلوا ، وإذا رجل قائم على نشز من الأرض ينادي : يا وفد الله ، الغداء ، وإذا رجل آخر على مدرجة الطريق ينادي : ألا من طعم فليرجع للعشاء ، قال : فجهرني ما رأيت ، فدفعت إلى عميد (٦) القوم ، فإذا أنا به جالس على عرش له أبنوس ، تحته نمرقة خزّ
__________________
(١) كذا ، ولعله : «فجهرني» وفي م : «فجهدي».
(٢) في الإصابة : عباد بن أبي كسيب.
(٣) في مختصر ابن منظور : لا أليق مطردا.
(٤) الدهماء : العدد الكثير وجماعة الناس والسواد الأعظم (القاموس).
(٥) بالأصل : الوسم ، والذي أثبت يوافق عبارة مختصر ابن منظور ٩ / ٢٨١.
(٦) بالأصل وم : عبيد القوم ، والذي أثبت يوافق عبارة المختصر.