[حكى عنه](١) يعقوب بن نصر الفسوي ، ومحمّد بن أحمد بن سلمة ، وطاف في جبل لبنان.
أخبرنا أبو عبد الله الفراوي في كتابه ، عن أبي عثمان الصابوني ، أنا أبو القاسم بن حبيب المفسر (٢) ، قال : سمعت أبا بكر أحمد بن عبد الرّحمن المروزي يقول : سمعت يعقوب بن نصر الفسوي يقول : سمعت سالما خادم ذي النون المصري يقول : بينا أنا أسير مع أبي (٣) ذي النون في جبل لبنان إذ قال لي : مكانك يا سالم لا تبرح حتى أعود إليك ، فغاب عني ثلاثة أيام ، وأنا أتقمش من نبات الأرض (٤) وبقولها ، وأشرب من غدران (٥) الماء ، ثم عاد بعد ثلاث متغير اللون خاثرا (٦) فلما رآنى ثابت إليه نفسه فقلت له : أين كنت؟ قال : إني دخلت كهفا من كهوف الجبل ، فرأيت رجلا أغبر أشعث نحيفا نحيلا ، كأنما أخرج من حفرته ، وهو يصلّي ، فلما قضى صلاته سلّمت عليه فرد عليّ وقام إلى الصلاة فما زال يركع ويسجد حتى قرب العصر فصلّى العصر ، واستند إلى حجر بحذاء المحراب يسبّح ، فقلت له : يرحمك الله توصيني بشيء أو تدعو لي بدعوة؟ فقال : يا بني آنسك الله بقربه ، وسكت ، فقلت : زدني ، فقال : يا بني من آنسه الله بقربه أعطاه أربع خصال : عزا من غير عشيرة ، وعلما من غير طلب ، وغنى من غير مال ، وأنسا من غير جماعة ، ثم شهق شهقة ، فلم يفق إلى الغد ، حتى توهمت أنه ميت ، ثم أفاق فقام وتوضأ ثم قال : يا بني كم فاتني من الصلوات؟ قلت : ثلاث ، فقضاها ، ثم قال : إنّ ذكر الحبيب هيج شوقي وأزال عقلي قلت : إني راجع فزدني ، قال : حبّ مولاك ولا ترد بحبه بديلا ، قال : المحبين لله هم تيجان العبّاد وزين البلاد ، ثم صرخ صرخة فحركته فإذا هو ميت ، فما كان إلّا بعد هنيهة إذا بجماعة من العبّاد منحدرين من الجبل ، فصلّوا عليه وواروه ، فقلت : ما اسم هذا الشيخ؟ قالوا : شيبان المجنون.
قال سالم : فسألت أهل الشام عنه ، فقالوا : كان مجنونا هرب من أذى الصبيان ،
__________________
(١) زيادة للإيضاح عن م.
(٢) الخبر في عقلاء المجانين لأبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ط بيروت. دار النفائس ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩.
(٣) كذا ، واللفظة سقطت من عقلاء المجانين.
(٤) أي آكل ما أجده منه.
(٥) رسمها بالأصل : «عذار» وتقرأ «غدار» والمثبت عن عقلاء المجانين.
(٦) في عقلاء المجانين : حائرا.