قلت : فهل تعرفون (١) من كلامه شيئا؟ قالوا : نعم ، كلمة كان إذا خرج إلى الصحاري يقول :
فإذا ما لم أجنّ بإلهى فبمن
وربما قال :
فإذا ما لم أجنّ بك ربي فبمن
أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكي ، أنا الحسين بن يحيى بن إبراهيم بن الحكاك (٢).
أخبرنا الحسين بن علي بن محمّد الشيرازي ، أنا علي بن عبد الله بن جهضم ، نا أبو الحسن أحمد بن محمّد الرازي ، نا محمّد بن أحمد بن سلمة ، حدّثني سالم قال :
بينا أنا سائر مع ذي النون في جبل لبنان إذ قال لي : مكانك (٣) يا سالم حتى أعود إليك ، فغاب عني في الجبل ثلاثة أيام ، وأنا انتظره ، إذا هاجت عليّ النفس أطعمتها من نبات الأرض وسقيتها من ماء الغدران ، فلما كان بعد الثالث رجع إليّ متغير اللون ذاهب العقل ، فقلت له بعد ما رجعت إليه نفسه : يا أبا الفيض أسبغ عارضك ، قال : لا دعني من تخويف البشرية ، إني دخلت كهفا من كهوف هذا الجبل فرأيت رجلا أبيض الرأس واللحية ، أشعث أغبر نحيفا نحيلا ، كأنما أخرج من قبره ذا منظر مهول ، وهو يصلّي ، فسلّمت عليه بعد ما سلّم فردّ عليّ السلام وقام (٤) إلى الصلاة فما زال راكعا وساجدا حتى صلّى العصر ، واستند إلى حجر بحذاء المحراب يسبّح ولا يكلمني فبدأته بالكلام ، فقلت له : يرحمك الله توصي بشيء ، أدع الله لي بدعوة ، فقال : يا بني آنسك الله بقربه ، وسكت ، فقلت : زدني ، فقال : يا بني من آنسه بقربه أعطاه أربع خصال : عزا في غير عشيرة ، وعلما من غير طلب ، وغنى من غير مال ، وأنسا من غير جماعة ، ثم شهق شهقة فلم يفق إلّا بعد ثلاثة أيام حتى توهّمت أنه ميت فلما كان بعد ثلاثة أيام قام فتوضأ من عين ماء إلى جنب الكهف ، فقال لي : يا بني كم فاتني من الفرائض صلاة أو صلاتان أو
__________________
(١) في م : يعرفون.
(٢) في م : الطاك ، تحريف.
(٣) في م : من بك.
(٤) في م : وقال.