وقد عقدوا هدنة مؤبدة وصارت الكور سائبة لا مانع للروم عنها ، فطمع نقفور ملك الروم في ملك الشام جميعه ، ولم يعترف سعد الدولة بالمعاهدة التي جرت بين قرعويه وبين الروم ، وظل في معرة النعمان ، فأخرب الروم حمص حتى يضطروه الى الإذعان ، ولكن جاءته نجدات فعمرها. وفي سنة ٣٦٣ سار أبو محمود بن جعفر بن فلاح الى الشام ، في عسكر يقال إنه عشرون ألفا ودخل دمشق وتمكن بها ، وغادر الروم أرض الشام سنة ٣٦٤ بعد أن فتحوا بعلبك وأخربوها وأخذوا جماعة من أهلها وصالحتهم صيدا وافتتحوا بيروت عنوة وسبوها ونهبوها ، وجرى مثل ذلك على جبيل. وقاطعوا أهل دمشق على ستين ألف دينار يحملونها إليهم في كل عام ، وكتبوا عليهم بذلك كتابا وأخذوا فيه خطوط أشرافهم وأخذوا جماعة منهم رهينة وأنفذوا إليهم صليبا بالأمان فتلقوه بالإكرام. ثم انقطع حمل المال المفروض على الشام للروم ، فأغضوا عن ذلك لاشتغالهم بالحرب في آسيا الصغرى.
وفي سنة ٣٦٥ وصل بارقطاش مولى سيف الدولة الى شريف ابنه وهو بحماة من حصن برزويه وخدمه وعمر له حمص بعد خراب الروم ، وتقوى بكجور مولى قرعويه ونائبه ، وقبض على قرعويه بحلب وحبسه بالقلعة واستولى على حلب ، فكاتب أهلها أبا المعالي شريفا فجاءهم ، وأنزل بكجور بالأمان وولاه حمص واستقر أبو المعالي بحلب. ومن الأحداث في هذا الزمن أن وشاح السلمي ولي إمارة دمشق من قبل الحسن بن أحمد القرمطي المعروف بالأعصم ، وكان الوالي إذ ذاك بها صالح بن عمير العقيلي البدوي فخرج صالح عنها ، فلما رجعت القرامطة الى الأحساء رجع صالح بن عمير الى دمشق وتعصب له أحداثها فأخرجوا وشاحا عنها قهرا وسلموها الى صالح (٣٦٨). ومنها أن بسيل الملك ردّ ولاية اللاذقية الى كرمروك لشنه الغارة على طرابلس وما يليها وقتله وأسره من أهلها ومن المغاربة خلقا كثيرا. وورد عسكر المغاربة الى عمل أنطاكية مع أمير لهم يعرف بالصنهاجي ، فاستظهر عليه كرمروك وقتل جماعة من أهله ، فسار نزال وابن شاكر من طرابلس الى اللاذقية (٣٧٠) وحاصر حصنها