قدرة لا يفرقها شيء سوى نسبة بعضها إلى بعض. فندعو الأقنوم الأول «أبا» وهو أصل اللاهوت غير مولود وغير منبثق. والثاني «ابنا» مولودا من الآب منذ الأزل ليس ولادة جسدية بل ولادة عقلية روحية بمعرفة الآب لذاته ولكمالاته يصدر بهذه المعرفة ابنه الشبيه به وضياء مجده وصورة جوهره (عبرانيون ١ : ٣ كولوسّي ١ : ١٥) فهو إله من إله نور من نور إله حق من إله حق من جوهر الآب (دستور نيقية). والثالث (روحا قدسا) منبثقا من الآب والابن ليس بطريق الولادة العقلية ، بل بتبادل حب الآب لابنه وحب الابن لأبيه المولود منه. وهذا الحب ليس عرضيا بل جوهريا ندعوه الروح القدس. وهذه عقيدة تثليث الأقانيم في الله أوصى بها الله بنوع خفي في العهد العتيق كما يؤخذ من بعض آياته ، ثم صرّح به السيد المسيح في نصوص عديدة في الإنجيل وقرره تلاميذه في رسائلهم بما لا يبقي في الأمر أدنى ريب وإن كان سرا يفوق الإدراك البشري.
ثالثا عقيدة التجسد : هو سر الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الذي تأنّس واتخذ في أحشاء مريم العذراء دون زرع بشري طبيعتنا البشرية بكل خواصها ما عدا الخطيئة ليفدي بني آدم من تبعة الخطيئة الأصلية التي ارتكبها الأبوان الأولان بمخالفتهما لأوامره تعالى في جنة عدن وخلّفاها لسائر نسلهما وبها حصل هلاك الجنس البشري ففقد البرارة الأصلية التي منحها قبل خطيئته فلم يعد أهلا للتمتع بالنعيم الأبدي ومشاهدة الله في السماء. وإذ كان الإنسان غير قادر على الوفاء عن خطيئته لجلال الله فإنه تعالى رحمه ووعده بمخلّص يعيد له بفدائه ما فقده من تلك النعم (تكوين ٣ : ١٥) وليس هذا المخلص إلّا السيد المسيح منتظر الآباء والأنبياء وجميع الشعوب وهو الإله المتجسّد ذو الأقنوم الإلهي الواحد وذو الطبيعتين الإلهية والإنسانية (يوحنا ١ : ١٤ و ٣ : ١٦ لوقا ١ : ٢٦ ـ ٣٦) فهذا الإله المتأنس قضى على الأرض ثلاثا وثلاثين سنة يعمل ويعلّم وأنشأ كنيسة وأسلم نفسه اختيارا للعذابات وللموت ثم قام بقوّة لاهوته من قبره في اليوم الثالث وتراءى مرارا لتلاميذه ثم صعد إلى السماء بعد أربعين يوما. وبكل ذلك أتمّ جميع ما تنبّأ عنه الأنبياء دون أن يخلّ من نبوّاتهم حرفا.