ومعلوم أن الكنيسة الكاثوليكية انتشرت بكل سرعة في العالم كله منذ عهد الرسل الحواريين حتى تجاوزت حدود المملكة الرومانية. ولوقوع بلاد الشام في جوار فلسطين لا يستغرب انتشار النصرانية فيها قبل سواها. وذلك ما تثبته أقدم الشواهد التاريخية وأولها سفر أعمال الرسل الذي منه يلوح إنشاء الدين المسيحي في أنطاكية (١١ : ٢٦) وفي سائر سواحل الشام ذكر منها صور وعكة وقيصرية (٢١ : ٣ ـ ٨).
ويمكننا أن نتتبع تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في الشام جيلا بعد جيل على الرغم مما حلّ بها من اضطهادات الوثنيين وعلى الرغم مما شاع من البدع كالأريوسية واليعقوبية والنسطورية والمنوثلية فلم يكن بين الطوائف الشرقية ما يفصلها عن الكنيسة الرومانية في إيمانها وخضوعها لرأس الكنيسة الرومانية وآدابها غير الأعراض السابق ذكرها. والدليل على ذلك إكرام كنائس الشرق لقديسي الغرب وإكرام الغربيين للقديسين الشرقيين. وفي طقوس الشرقيين القديمة ما يشهد إلى اليوم بتلك الوحدة والاتفاق. وكذلك سير القديسين الشرقيين تثبت ذلك الأمر. وكثيرون منهم أزهروا في الشام كالقديس يوحنا فم الذهب والقديس أفرام السرياني والقديس مارون الناسك.
غير أن تملك العرب على الشام واستفحال الشيع المضادة لتعاليم الكنيسة وصعوبة طرق المواصلات بين الشرق والغرب أضعفت الدين الكاثوليكي كثيرا في الشام ، إلى أن عاد فتعزّز بقدوم الصليبيين إلى الشرق ثم بدخول المرسلين منذ القرن الثالث عشر في هذا القطر ، فظهرت آثاره الطيبة أولا بين الموارنة ثم بعد ذلك بزمن بين الروم والأرمن ، ثم بين الكلدان والسريان حتى قامت لكل هذه الطوائف كنائس منظمة لها بطاركتها وأساقفتها ورعاياها ، ولكل طائفة تاريخها الخاص يترجم عن أعمال بنيها ومشاهير ملتها وارتباطها مع الكرسي الروماني.
واليوم يبلغ إحصاء الكاثوليك في الشام نيفا وستمائة ألف معظمهم الموارنة (٠٠٠ ، ٣٠٠). ثم الروم الكاثوليك (٠٠٠ ، ١٢٠). ثم الأرمن (٠٠٠ ، ٨٠). ثم السريان (٠٠٠ ، ٢٠). ثم اللاتين (٠٠٠ ، ١٠). ثم الكلدان (٢٠٠٠) هذا ما عدا المهاجرين منهم إلى أميركا وغيرها.