أحمد بن موسى الملاحمي النيسابوري ـ شيخ قدم علينا ـ قال : سمعت عمرو بن إسحاق السكني يقول : سمعت سهل بن ميسرة (١) يقول : لما رجع أبو العبّاس عبد الله بن طاهر من الشام ارتفع فوق سطح قصره فنظر إلى دخان يرتفع (٢) في جواره ، فقال لعمرويه : ما هذا الدخان؟ قال : أظن القوم يخبزون ، فقال : ويحتاج (٣) جيراننا أن يتكلفوا ذلك ، ثم دعا (٤) حاجبه فقال : امض ومعك كاتب ، فأحص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع ، فمضى فأحصاهم ، فبلغ عدد صغيرهم وكبيرهم أربعة آلاف نفس ، فأمر لكلّ واحد منهم بمنوين (٥) في كل يوم خبزا ومنا لحما ، ومن التوابل في كل شهر عشرة دراهم والكسوة في الشتاء مائة وخمسون درهما ، [وفي الصيف مائة درهم](٦) ، وكان ذلك دأبه مقامه ببغداد ، فلما خرج انقطعت الوظائف إلّا الكسوة ما عاش أبو العبّاس.
أخبرنا أبو العزّ السلمي ـ فيما قرأ عليّ إسناده وناولني إيّاه وأذن لي في روايته ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا (٧) ، نا عبد الله بن جعفر بن إسحاق الجابري الموصلي بالبصرة ، نا محمّد بن ياسر الكاتب ـ كاتب أحمد بن طولون ـ حدّثني أبي ، نا علي بن إسحاق قال : اشترى عبد الله بن طاهر جارية بخمسة وعشرين ألفا على ابنة عمّه فوجدت عليه وقعدت في بعض المقاصير فمكثت شهرين لا تكلمه ، فعمل هذين البيتين :
إلى كم يكون العتب في كلّ ساعة |
|
وكم لا تملّين القطيعة والهجرا |
رويدك إنّ الدهر فيه كفاية |
|
لتفريق ذات البين فانتظري (٨) الدهرا |
قال : وقال للجارية : اجلسي على باب المقصورة فغنّي به ، فلما غنّت بالبيت
__________________
(١) تاريخ بغداد : مرة.
(٢) تاريخ بغداد : مرتفع.
(٣) بالأصل وم : «وتحتاج إلى جيراننا» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٤) الأصل وم : «ادعا» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٥) المنا : الكيل أو الميزان ، يثني : منوان ومينان ، والأول أعلى (اللسان).
(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وأضيفت العبارة عن م وتاريخ بغداد ، وسقطت من م : «درهم».
(٧) الجليس الصالح الكافي للمعافى بن زكريا ٢ / ٩٦.
(٨) الأصل وم : فانتظر ، والمثبت عن الجليس الصالح.