شعيب بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر ، عن عطية ، عن يزيد الفقعسي قال (١) :
كان ابن سبأ يهوديا من أهل صنعاء ، من أمّة سوداء (٢) ، فأسلم زمن عثمان بن عفان ثم تنقّل في بلاد المسلمين يحاول ضلالتهم ، فبدأ بالحجاز ، ثم بالبصرة ، ثم الكوفة ، ثم الشام ، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام ، فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر (٣) فيهم ، فقال لهم فيما كان يقول : العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ، ويكذّب بأن محمدا يرجع ، وقد قال الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(٤) فمحمد أحقّ بالرجوع من عيسى ، قال : فقبل ذلك عنه ، ووضع (٥) له الرّجعة ، فتكلّموا فيها ، ثم قال بعد ذلك : إنه كان ألف نبيّ ولكلّ نبي وصيّ ، وكان علي وصيّ محمّد ، ثم قال : محمّد خاتم النبيين ، وعلي خاتم الأوصياء ، ثم قال بعد ذلك : من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ووثب على وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم تناول (٦) الأمة ، ثم قال لهم بعد ذلك : إن عثمان قد جمع أموالا أخذها بغير حقها ، وهذا وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فانهضوا في هذا الأمر فحرّكوه ، وابدءوا بالطعن على أمرائكم ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتستميلوا الناس ، وادعوا (٧) إلى هذا الأمر.
فبثّ دعاة ، وكاتب من كان استفسد في الأمصار ، وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم ، وأظهروا الأمر بالمعروف ، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ، فكتب أهل كلّ مصر منهم إلى أهل مصر آخر بما يصنعون ، فيقرأه أولئك في أمصارهم ، وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة ، وأوسعوا الأرض إذاعة ، وهم يريدون غير ما يظهرون ويسرّون غير ما يورون (٨) ، فيقول أهل كلّ مصر : إنّا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلّا أهل المدينة ، فإنهم
__________________
(١) الخبر في تاريخ الطبري ٢ / ٦٤٧ (ط بيروت) حوادث سنة ٣٥.
(٢) الطبري : أمه سوداء.
(٣) كذا بالأصل وم والطبري ، وفي المطبوعة : «فاغتمر» نقلا عن مختصر ابن منظور ، والذي في المختصر المطبوع ١٢ / ٢١٩ «فاغتمز» بالزاي.
(٤) سورة القصص ، الآية : ٥٨.
(٥) «وضع» مكانها بياض في م.
(٦) ي الطبري : وتناول أمر الأمة.
(٧) الطبري : وادعوهم.
(٨) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : يرون ، وفي الطبري : يبدون.