جاءهم ذلك عن جميع أهل الأمصار ، فقالوا : إنّا لفي عافية مما الناس فيه.
وجامعه محمّد وطلحة من هذا المكان ، قالوا :
اجتمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عثمان فقالوا : يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي أتانا؟ قال : لا والله ، ما جاءني إلّا السّلامة ، قالوا : فإنا قد أتانا ، وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم ، قال : فأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي ، قالوا : نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق به من الناس إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم ، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة ، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة ، وأرسل عمّار بن ياسر إلى مصر ، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام ، وفرّق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمّار ، فقالوا : أيها الناس والله ما أنكرنا شيئا ، ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوّامهم ، وقالوا جميعا الأمر أمر (١) المسلمين إلّا أنّ أمراءهم يقسطون بينهم ، ويقومون عليهم ، واستبطأ الناس عمّارا حتى ظنوا أنه قد اغتيل (٢) ، واشتهروه (٣) فلم يفجأهم إلّا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمّارا قد استماله قوم بمصر ، وقد انقطعوا إليه فيهم عبد الله بن السوداء ، وخالد بن ملجم ، وسودان بن حمران ، وكنانة بن بشر يريدونه على أن يقول بقولهم ، يزعمون أن محمدا راجع ، ويدعونه إلى خلع عثمان ، ويخبرونه أنّ رأي أهل المدينة على مثل رأيهم ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في قتله وقتلهم قبل أن يبايعهم (٤).
فكتب إليه عثمان : لعمري إنك لجريء يا ابن أم عبد الله ، والله لا أقتله ولا أنكاه ، ولا إياهم حتى يكون الله عزوجل ينتقم منهم ومنه بمن أحبّ ، فدعهم ، ما لم يخلعوا يدا من طاعة ، يخوضوا ويلعبوا.
وكتب إلى عمّار : إنّي أنشدك الله أن تخلع يدا من طاعة أو تفارقها فتبوء بالنار ، ولعمري إنّي على يقين من الله تعالى ، لأستكملنّ أجلي ولأستوفينّ رزقي غير منقوص شيئا من ذلك ، فيغفر الله لك.
__________________
(١) بالأصل وم : «الأمرا من» والمثبت عن الطبري.
(٢) بالأصل وم : اغتنل ، والمثبت عن الطبري.
(٣) سقطت اللفظة من الطبري ومختصر ابن منظور ، ورسمها وإعجامها بالأصل وم مضطربان وتقرأ : «واستهزوه» والقلب غير مطمئن لها ، وأثبتناه ما في المطبوعة.
(٤) كذا بالأصل ، وتقرأ في م : «يتابعهم» وفي المطبوعة أيضا يتابعهم.