في قوله تعالى : (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) قال : كان لا يعصيهما ، (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) قال ابن عبّاس : ولم يكن قتال النّفس التي حرم الله قتلها (عَصِيًّا) يعني لم يكن عاصيا لربّه (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) يعني حين سلّم الله عليه حين ولد (وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) قال ابن عبّاس : لما وهب الله لزكريا يحيى بلغ ثلاث سنين ، بشّر الله مريم بعيسى ، فبينا هي في المحراب إذ قالت الملائكة ـ وهو جبريل وحده ـ (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ) من الفاحشة (وَاصْطَفاكِ) ويعني واختارك (عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) عالم أمتها ، (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) يعني صلّي لربك ؛ يقول اذكري لربك في الصلاة بطول القيام. فكانت تقوم حتى ورمت قدماها ، (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) يعني مع المصلين ، مع قراء بيت المقدس يقول الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) يعني بالخبر الغيب في قصة زكريا ويحيى ومريم ، (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) يعني عندهم (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) في كفالة مريم ، ثم قال : يا محمّد ـ يخبر بقصة عيسى (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ، اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا) يعني مكينا عند الله في الدنيا من المقربين في الآخرة (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) ـ يعني في الخرق ـ في محرابه (وَكَهْلاً) ويكلمهم كهلا إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء ، (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) يعني من المرسلين.
قال وأنبأنا جويبر عن الضّحّاك عن ابن عبّاس.
في قوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ) يقول : قصّ ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها) يعني خرجت من أهلها (مَكاناً شَرْقِيًّا) مما يلي الشرق ، (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) وذلك لما أراد الله أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى ، وكانت اغتسلت من المحيض فتشرّقت وجعلت بينها وبين قومها حجابا ، يعني جبلا ، فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس قال : كانت خرج من بيت المقدس ، (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) ـ يعني جبريل ـ (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) في صورة الآدميين سويا : يعني معتدلا شابا ، أبيض الوجه جعدا قططا ، حين اخضرّ شاربه ، فلما نظرت إليه قائما بين يديها قالت : (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) وذلك أنّها شبهته بشابّ كان يراها ونشأ معها يقال
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) سورة مريم ، الآيتان ١٤ و ١٥.
(٦ و ٧) سورة آل عمران ، الآيات ٤١ و ٤٤.
(٨ و ٩) سورة آل عمران ، الآيتان ٤٥ و ٤٦.
(١٠ و ١٢) سورة مريم ، الآيات ١٦ ـ ١٨.
(١١) من قوله : مما يلي الشرق إلى هنا استدرك على هامش الأصل ، وبعدها صح.