إن عيسى بن مريم أوّل ما أطلق الله لسانه بعد الكلام الذي تكلّم به وهو طفل فمجّد الله تمجيدا لم تسمع الآذان بمثله ، لم يدع شمسا ، ولا قمرا ، ولا جبلا ، ولا نهرا ، ولا عينا إلّا ذكره في تمجيده ، فقال : اللهمّ أنت القريب في علوك ، المتعالي (١) في دنوك ، الرفيع على كل شيء من خلقك ، أنت الذي خلقت سبعا في الهوى بكلماتك مستويات طباقا أجبن وهن (٢) دخان من فوقك ، فأتين طائعات لأمرك ، فيهن ملائكتك يسبّحون قدسك لتقديسك ، وجعلت فيهن نورا على سواد الظلام ، وضياء من ضوء الشمس بالنهار ، وجعلت فيهن الرعد المسبّح بالحمد ، فبعزّتك يجلو ضوء ظلمتك ، وجعلت فيهن مصابيح يهتدي بهن في الظلمات الحيوان (٣) ، فتباركت اللهم في مفطور سماواتك وفيما دحوت من أرضك ، دحوتها على الماء فمسكنها على تيار الموج المتعامر (٤) ، فأذللتها إذلال الماء المتظاهر (٥) ، فذلّ لطاعتك صعبها ، واستحيا لأمرك أمرها ، وخضعت لعزتك أمواجها ، ففجرت فيها بعد البحور الأنهار ، ومن بعد الأنهار الجداول الصغار ، ومن بعد الجداول تتابع (٦) العيون الغزار ، ثم أخرجت منها الأنهار والأشجار والثمار ، ثم جعلت على ظهرها الجبال فوتدتها أوتادا على ظهر الماء ، فأطاعت أطوادها وجلمودها.
فتباركت اللهمّ فمن يبلغ بنعته نعتك ، أو من يبلغ بصفته صفتك ، تنشر السحاب ، وتفك الرقاب ، وتقضي الحق وأنت خير الفاصلين ، لا إله إلّا أنت سبحانك أمرت أن نستغفرك من إنما كل ذنب لا إله إلّا أنت سبحانك سترت السموات عن الناس ، لا إله إلّا أنت سبحانك إنما يخشاك (٧) من عبادك الأكياس ، نشهد أنك لست بإله استحدثناك ، ولا ربّ يبيد ذكره ، ولا كان معك شركاء يقضون معك فندعوهم ونذرك ، ولا أعانك على خلقنا أحد فنشك فيك ، نشهد أنك أحد صمد لم تلد ولم تولد ، ولم يكن لك كفوا أحد.
أخبرنا أبو الحسن بركات بن عبد العزيز ، وأبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، قالا :
__________________
(١) كذا بالأصل بإثبات الياء ، وفي المصدرين : المتعال في دنوك.
(٢) الكلمة غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن البداية والنهاية وقصص الأنبياء.
(٣) كذا رسمها بالأصل ، وفي المصدرين السابقين : الحيران.
(٤) كذا رسمها بالأصل ، وفي المصدرين : الموج الغامر.
(٥) كذا الجملة بالأصل ، وفي المصدرين : فأذللتها إذلال التظاهر.
(٦) كذا رسمها بالأصل ، وفي المصدرين : ينابيع العيون الغزار.
(٧) كذا بالأصل وقصص الأنبياء ، وفي البداية والنهاية : يغشاك.