يا عيسى إنما أجزي عليها أهلها ، وكيف أرحم بكاءهم وأيديهم تقطر من دماء الأنبياء (١) ، ازددت عليهم غضبا.
يا عيسى وقضيت يوم خلقت السموات والأرض أنه من عبدك (٢) وعبد أمك فقال فيكما بقولي أن أجعلهم جيرانك في الدار ورفقاءك في المنازل ، وشركاءك في الكرامة ، وقضيت يوم خلقت السموات والأرض أنه من اتخذك وأمك إلهين من دون الله أن أجعلهم في الدرك الأسفل من النار.
وقضيت يوم خلقت السموات والأرض أنّي مسبب هذا الأمر على يدي محمّد ، وأختم به الأنبياء والرسل ، ومولده بمكة ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشام ، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوّال بالخنا ، أسدّده لكل أمر جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، أجعل التقوى ضميره ، والحكمة معقوله ، والوفاء طبيعته ، والعدل سيرته ، والحقّ شريعته والإسلام ملته ، واسمه أحمد ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلّم به بعد الجهالة ، وأغني به بعد العائلة ، وأرفع به بعد الضعة (٣) ، أهدي به وأفتح به بين آذان صم وقلوب [غلف](٤) وأهواء مختلفة متفرقة ، أجعل أمّته خير أمّة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر إخلاصا لاسمي ، وتصديقا لما جاءت به الرسل ، ألهمهم التسبيح والتهليل والتقديس في مساجدهم ومجالسهم وبيوتهم ومنقلبهم ومثواهم ، يصلّون لي قياما وقعودا وركّعا وسجدا ، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا قربانهم دماؤهم وأناجيلهم في صدورهم ، وقربانهم في بطونهم ، رهبان بالليل ، ليوث بالنهار ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء ، وأنا ذو الفضل العظيم.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا أبو الحسن المقرئ ، أنبأنا أبو محمّد المصري ، أنبأنا أحمد بن مروان ، حدّثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، حدّثنا عبد الرّحمن ابن أخي الأصمعي ، عن عبد المنعم ، عن أبيه ، عن وهب بن منبّه قال :
كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزّمنى والعميان والمجانين : اللهم أنت إله
__________________
(١) في هذا إشارة إلى أن بني إسرائيل قد أكثروا من الفتك بأنبيائهم وقتلهم.
(٢) كذا بالأصل والمختصر ، وفي المصدرين السابقين : أنه من عبدني وقال فيكما بقولي.
(٣) في البداية والنهاية : الضيعة.
(٤) زيادة عن البداية والنهاية وقصص الأنبياء.