الطعام فأكلا منه فماتا ، فانطلق عيسى إلى حاجته ثم رجع ، فإذا هو بهم قد موّتوا عند الذهب ، فقال : انظروا إلى هؤلاء ، ثم حدّثهم حديثهم ، ثم قال لأصحابه : النجاء النجاء ، فإنما هي النار.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن علي ، حدّثنا محمّد بن علي بن محمّد بن عبيد الله بن عبد الصمد (١) ، أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن أحمد البلخي ، حدّثنا محمّد بن الحسين الحسني ، حدّثنا عمرو بن حمّاد ، حدّثنا أسباط بن نصر ، عن إسماعيل السّدّي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس قال :
لما بعث الله عيسى وأمره بالدعوة لقيته بنو إسرائيل ، فأخرجوه هو وأمّه يسيحون في الأرض ، فنزلوا في قرية على رجل فأضافهم ، فأحسن إليهم ، وكان لذلك المدينة ملك جبّار معتد ، فجاء ذلك الرجل يوما وقد وقع عليهم همّ وحزن ، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها : ما شأن زوجك أراه حزينا؟ فقالت : لا تسأليني ، قالت : أخبريني لعل الله يفرّج كربه ، قالت : فإنّ لنا ملكا يجعل على كلّ رجل منا يوما يطعمه هو وجنوده ويسقيهم الخمر ، فإن لم يفعل عاقبه ، وإنّه قد بلغت نوبته اليوم ، يريد أن يصنع له فيه ، وليس لذلك عندنا سعة ، قالت : فقولي له فلا يهتم ، فإني آمر ابني فيدعو له فيكفى (٢) ذلك ، فقالت مريم لعيسى في ذلك ، فقال عيسى : يا أمّه ، إنّي إن فعلت كان في ذلك شرّ ، قالت : لا تبالي ، فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا ، قال عيسى : فقولي له إذا اقترب ذلك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني ، فلما ملأهنّ أعلمه ، فدعا الله ، فتحوّل ما في القدور لحما ومرقا وخبزا ، وما في الخوابي خمرا لم ير الناس مثله قط ، فلما جاءه الملك أكل منه ، فلمّا شرب الخمر سأل : من أين لك هذا الخمر؟ قال : هو من أرض كذا وكذا ، قال الملك : فإنّ خمري أوتى به من تلك الأرض ، فليس هو مثل هذا ، قال : هو من أرض أخرى ، فلمّا خلّط على الملك اشتد عليه فقال : أنا أخبرك ، عندي غلام لا يسأل الله شيئا إلّا أعطاه ، وإنّه دعا الله فجعل الماء خمرا ، فقال له الملك وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيّام ـ وكان أحبّ الخلق إليه ـ فقال : إنّ رجلا دعا الله فجعل الماء خمرا ليستجابنّ له حتى يحيي ابني ، فدعا عيسى فكلّمه وسأله أن يدعو الله أن يحيي ابنه ، فقال عيسى : لا تفعل إنه إن (٣) عاش كان شرّا ، قال الملك : ليس
__________________
(١) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٨ / ٢٤١.
(٢) كذا بالأصل ، وفي المختصر : فيلقى.
(٣) «إن» استدركت عن المختصر.