وكان لهؤلاء المهاجرين أثرهم الكبير في مدينة دمشق ، وما حولها ، ثم امتد هذا الأثر إلى بلدان بعيدة ، فكان تأثيرهم كبيرا ومتسعا ، سواء من الناحية العلمية أم العمرانية ، أم في ميدان الجهاد. أسسوا الصالحية التي لا تزال تحتفظ باسم مؤسسيها الصالحين ، ونشروا مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، وألفوا فيه المؤلفات المعتمدة ، ككتاب «المغني» للموفق المقدسي ، وكان الاشتغال بالحديث النبوي من أسمى أعمالهم العلمية ، إذ رحل قسم كبير منهم إلى أقطار بعيدة ، كبغداد ، وأصبهان ، وهراة ، ونيسابور ، وبخارى ، وغيرها لطلب العلم ولتلقي الحديث النبوي.
آزر السلطان المجاهد نور الدين الشهيد رحمهالله هؤلاء القوم ، وتقرّب منهم ، وعمل على خدمتهم ، وقدّم لهم مساعداته ، وكان يزورهم ويأتي إليهم لينظر في أحوالهم ، وليقتبس من علمهم وزهدهم ، ثم جاء من بعده السلطان صلاح الدين الأيوبي ، فتابع العمل بسيرة سلفه ومعلمه ، فقرّب إليه الصالحين من أهل الصالحية.
واشترك قسم كبير منهم في الجهاد ضد الصليبيين المغتصبين ، منهم الشيخ أبو عمر ، والموفق ، والضياء محمد بن عبد الواحد ، وعبد الله بن عمر بن أبي بكر المقدسي ، ومنهم عبد الله بن الحافظ المقدسي الذي يقول عنه المنذري : «اجتمعت به لما قدم مصر للغزاة بثغر دمياط» وغيرهم من أهليهم كثير جاهدوا لطرد الصليبيين. وكان السلطان صلاح الدين ينزلهم في خيمة مستقلة ويستشيرهم في كثير من أموره.
ويتم الفتح المبين والنصر المؤزر بفتح القدس سنة ٥٨٣ ه على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي ، وتعم الفرحة الكبرى المسلمين فيسعى أولو العلم منهم إلى إرشاد الناس وبيان أهمية هذه المدينة المقدسة ، وواجبهم في المحافظة عليها ، فقام بعضهم بتأليف المؤلفات التي تدل على فضيلتها. والمتتبع لحركة التأليف في تلك