أحفظ منه إلا الكلمة الأولى ، يا سيدي ، لأنها كانت تتردد كثيرا ، وعلى الدوام بالتنغيم نفسه. يقوم البحارة ، شأنهم شأن العرب كلهم ، بكل أعمالهم على وقع الغناء ، فهم ، سواء كانوا ينشرون الأشرعة أم يطوونها ، وسواء كانوا يلقون المرساة أم يرفعونها ، يغنون معا لزيادة السرعة وللعمل بتوافق ، وإن لكل مناورة نصها الغنائي الخاص ، ولكن ذلك لم يكن ليمنع من تنفيذ المناورة بكثير من الاضطراب والبطء (١). لكن الهدوء لم يستمر على كل الأحوال طويلا ؛ إذ هبّ بعد عدة ساعات هواء الشمال ، الذي يهب لمدة تسعة أشهر في السنة على البحر الأحمر ، والذي يسهم في سرعة الإبحار ، مما جعلنا نصل عند الظهيرة إلى ينبع(٢).
إن ينبع ميناء المدينة المنورة ، تبعد عنها مسيرة خمسة أيام إلى الشرق : وميناؤها واسع ، وآمن جدا ، لأنه محمي بجزيرة العباسي (٣) ، ويغشاه الناس كثيرا. إن السفن التي تذهب من السويس إلى جدة ومن جدة ، إلى السويس تلقي مراسيها كلها فيه ، وهناك رحلات تكاد تكون يومية مع القصير ؛ وهي مدينة بحرية صغيرة تقع في الأراضي المصرية ، وتصل البحر الأحمر بالنيل عن طريق قنا (٤).
ينبع مدينة ذات أهمية ضئيلة ، سيئة العمار ، تكاد تكون مقفرة ، ومشبعة
__________________
(١) قارن بما في كتاب : التراث الشعبي ... ، موثق سابقا ، ص ٦٨ ـ ٦٩.
(٢) انظر : بلاد ينبع ، لمحات تاريخية جغرافية وانطباعات خاصة ، حمد الجاسر ، دار اليمامة ، الرياض ، ١٩٦٦ م. وانظر كتاب التراث الشعبي في أدب الرحلات ، د.
أحمد عبد الرحيم نصر ، الدوحة ، ١٩٩٥ ، ص ٦٤ ـ ٦٥.
(٣) العباسي كتبها ديدييه Al ـ Abbari ولعله خطأ مطبعي إذ الصواب العباسي ، انظر كتاب بلاد ينبع للشيخ حمد الجاسر ، موثق سابقا ، ص ١١٦. وقد كتبت في الترجمة الإنكليزية لرحلة ديدييه ، موثق سابقا ، ص ٥٢Al ـ Abhari وهو خطأ أيضا.
(٤) هذا طريق تجارة داخلية يمتد من القصير إلى الغرب عبر قنا ويمثل خط الاتصال بين الصعيد والبحر الأحمر به طرق للقوافل تستغرق أربعة أيام من قنا إلى القصير. انظر كتاب : مصر في كتابات ... ، موثق سابقا ، ص ٢١٥ ، ٣٦٤.