المقبرة في جدة زاهيا فإن الموضع الذي تقع فيه موحش وقليل الجاذبية : فمن جهة هناك البحر الذي ينتهي في هذا المكان ببحيرة شاطئيه تنتهي هي نفسها بسبخة ملحية ، ثم تأتي بعد ذلك الرمال ، التي تمتد حتى تخوم الأفق. وتلوح على البعد سلسلة من الجبال التي يلفها الضباب ، وتختفي ملامحها في عتمة المساء. لقد توافرت لي في هذا اليوم أيضا فرصة مراقبة قصر فترة الغسق في / ١٣٤ / هذه المنطقة الاستوائية. كانت الشمس قد غابت منذ قليل ، ولم يكن قرصها المتوهج قد غاص بعد في عرض البحر ، بينما كان الظلام قد بدأ يلف الجهة المقابلة من السماء : وكان الليل قد نزل تماما عند ما دخلت جدة عبر باب المدينة المنورة. كان سكننا قريبا من هذا الباب ، في المنطقة المرتفعة من الحي الشامي. هناك في جدة عدد من الخانات أو الوكالات لسكن المسافرين ، يجدون فيها في الوقت نفسه مستودعا لأمتعتهم أو بضائعهم ، ولأنفسهم غرفة خالية من كل شيء ، ولكن هذه الأمكنة مخصصة للتجار ، ولما لم نكن تجارا ، ولا نريد أن نظهر كذلك ، فإننا حصلنا على منزل كان فيما مضى يقيم فيه قنصل فرنسا ، وهو اليوم متروك لسكن العصافير. كان مالك المنزل يقيم في مكة المكرمة ، وكان وكيله المفوض في جدة لا يريد ، أو لا يجرؤ على تأجيرنا المنزل في غياب صاحبه ، وكان يقول إنه سيرسل إليه رسالة للحصول على موافقته ، ولكننا كنا على عجلة من أمرنا ، وبينما كان يتردد ، ويطلب وقتا للتفكير ، استقر بنا المقام في المنزل مؤقتا ، ودام هذا المقام المؤقت حتى مغادرتنا جدة ؛ أي شهرا كاملا : ولمّا كنا لم نحدد أي مبلغ فإننا دفعنا عند مغادرتنا ٥ تلرات ، وهو مبلغ مناسب للأجرة إن لم يكن كبيرا ، بسبب الحالة التي كان المكان عليها. إذ لم يكن في الحقيقة / ١٣٥ / من السهل إزالة الأنقاض التي كانت تملأ المكان. وقد استطعنا في نهاية الأمر أن نجعل غرفتين من المنزل مناسبتين للسكن ، وكانت أمتعة الرحلة من سجاد ووسائد وفرش كافية تماما لفرشها. واستولى طباخنا غاسبارو على المطبخ الذي كان يقع على السطح ؛ أما بقية الخدم فإنهم أقاموا حيث استطاعوا ، وكما استطاعوا ، وها نحن في مسكننا نعيش كبر جوازيين حضريين.