وفي كل صباح ، وفي الساعة نفسها ، كانت تمرّ أمام نافذتي بدوية جميلة شابة من أسيوط في مصر ، تمثل نمطا أصيلا بين بنات جلدتها ، كانت تمر ، وهي تغني / ١٣٧ / بصوت ندي وناعم ، أغنية مأساوية حزينة ، كانت تكرّر على الدوام الأغنية نفسها ، وكانت رتابة الأغنية تجعلها أكثر حزنا وعويلا. كان قلبي ينفطر لسماعها في أول يوم وفي آخر يوم من إقامتي. أمّا في المساء فقد كان يحين دور أحد الهنود ؛ وهو متسول ينام على حصيرة في زاوية من زوايا الشارع ، ويغني هو أيضا على أرض أجنبية أنغام وطنه. كان يستمر في الغناء إلى ساعة متأخرة من الليل ، حتى إنه كان في غالب الأحيان يمنعني من النوم ، ولكنني كنت أغفر له ذلك لما كان يمنحني إياه من لذة وأنا أستمع إليه. وبعد هذا كله ، كنت على الدوام أسمع الصدى البعيد لصوت الدربوكة في أحياء المدينة المختلفة ، وأصوات الجوقات العسكرية ، وعيارات البنادق باستمرار ، وغالبا طلقة مدفع احتفالا بنصر ، تحقق أم لم يتحقق ، للأتراك على الروس ، آلاف الأصوات ، وبكلمة واحدة ، ضجة ضخمة مختلطة ، تشبه جلبة البحر البعيدة التي كانت في بعض الأحيان يعلو ضجيجها على كل ذلك. ورأيت في أحد الأيام من نافذتي مركبا يدخل ميناء جدة قادما من الجنوب ، وأعتقد أنني رأيت بمساعدة المنظار أن المركب كان محملا بحمولة بشرية ، وأخبرت أنه حقا يحمل من مصوّع دفعة عبيد من الجنسين ، وأنه كان بين النساء جارية تكاد تكون بيضاء ، مع أنها حبشية. ودفعني فضولي إلى رؤيتها ، ولكنها كانت قد بيعت فورا ، وبثمن غال لأحد الأتراك الذي أغراه لونها الفاتح / ١٣٨ / وهو من العاملين في الديوان ، أخو الباشا أو أحد أقربائه على الأقل.
إن العبيد البيض نادرون جدا هذه الأيام في أسواق الشرق ، ولا يكاد أحد يستطيع الحصول على ذلك إلا في إستانبول التي يوجد فيها وحدها الثروة الكافية للحصول على رقيق أبيض ، إنها نزوة تكلف ما بين ٢٠ إلى ٣٠ ألف فرنك ؛ إن مثل هذه الجواهر ليست ، كما نرى ، في قدرة أيّ كان. إن خيلاء هؤلاء النسوة لا يمكن احتماله : ولما كنّ يعرفن أن مصيرهن سيؤول إلى حمى