أسياد من علية القوم وأقويائهم فإنهن يحتقرن بقية الرجال ؛ ويا لسوء حظ الشخص البسيط الذي يتجرأ على شراء إحداهن ، فهو لن يتأخر عن إعلان توبته ؛ ويكون عليه عندئذ أن يحمل مسرعا إلى السوق سلعته العنيدة المختالة.
عند ما كنت في مصر ، تلقى عباس باشا عددا من خيول السباق هدية من إمام مسقط ، وردّ له عباس باشا الهدية ، فأرسل له جاريتين بيضاوين ؛ جورجيّتين أو شركسيّتين ، وهي هبة غريبة ، بسبب سن المهدي إليه ، ناهيك عن المصير المزعج الذي ينتظرهما. وحدث أن وقعت السفينة التي تنقلهما خلال مرورها بمضيق باب المندب بأيدي سفينة حرب أوروبية فرنسية أو بريطانية ، لست أدري أيهما ، كانت تقوم بملاحقة تجار العبيد في المحيط الهندي. ولمّا كان المركب المصري يحمل عبيدا فقد عدّوه غنيمة قانونية ، وتمّ في الوقت نفسه / ١٣٩ / تحرير الجاريتين. وأجهل ما حلّ بهما ، ولكنني ، بحكم المعرفة التي اكتسبتها بطبائع الشرقيين ، متأكد من أن الجاريتين قامتا بلعن محرريهما ، بدلا من مباركة عملهم الإنساني الذي قاموا به ؛ لأنهن يفضلن الحياة الهانئة ، والمصير الطيب الذي وعدتا به عند ما تدخلان في حريم الأمير الحاكم ، على الحرية التي لن تدريا ما ستفعلان بها. أما بقية العبيد الذين حملوا من مصوع ، ذكورا كانوا أم إناثا ، فإنهم كانوا أطفالا لا تزيد أعمارهم عن أربع إلى سبع سنوات أو ثمان ، باستثناء حبشية يبلغ عمرها ١٣ إلى ١٤ عاما ، ولكنها ذات هيئة تكون عليها الأوروبية في الخامسة والعشرين من عمرها ، وقد كانت تلك الحبشية ، بعد مواطنتها التي يمكن القول : إنها بيضاء ، أثمن تلك الجواهر البشرية ، لأنه على الرغم من لونها الضارب إلى السمرة ، فإنّ الجلّاب علقوا عليها أملا كبيرا للحصول على ربح وفير. كانت الفتاة المسكينة معروضة في متجر مهجور في أكثر شوارع جدة سكانا ، كانت جالسة على مقعد يرتفع عن الأرض ثلاثة أقدام ، وكانت متسمرة عليه كأنها تمثال ، تنتظر من يشترونها في صمت عميق ، لقد ألقي عليها لسترها قطعة من قماش الكاليكو (١) الأبيض يلفها
__________________
(١) CAlicot ، ورد ذكره في رحلات بوركهارت ، انظر : الترجمة العربية ، موثق سابقا ، ص ١٧١ وكتبه المترجمان Calico ، وعرباه الكاليكو. وفي المنهل : عرباه كاليكوت ـ