قصرا ، ولمّا كنا مسيحيين فإننا لا نستطيع القيام بهذه الرحلة بدون أن يأذن هو بذلك. وقد طلب السيد كول الإذن عبر مصطفى أفندي وكيل الأمير الشريف في جدة. ولم يتأخر الجواب ، وفيه أن الشريف سيستقبلنا بكل سعادة ، وأنه سيهتم برحلتي الذهاب والإياب : وسيرسل لنا هجنه ورجاله ليحملونا إلى الطائف ، ويعودوا بنا إلى جدة. وصل هذا الجواب اللطيف في ١٧ فبراير (شباط). ومهما كانت السرعة والمبادرة التي تعهد بها الشريف أن ينفذ بهما وعده ، فقد كان أمامي أسبوع انتظار كامل ؛ وكان ينبغي عليّ أن أشغله ، ولكن كيف؟ لم يبق لي ما أراه في جدّة. «لقد قال لي أحد السكان الأصليين : كيف ـ وأجبته بنعم ، ولكن هل الممكن أن يدوم الكيف ثمانية أيام؟» وقد يسألني أحد ما الكيف؟ وهأنذا أقول لكم :
عند ما ينهي العربي أعماله ، مهما كان نوعها ، ويكون يومه قد انتهى ، يعتزل الناس بين حريمه ، ويتخفف من ثيابه ، ويأخذ شيشته ، ويجلس متربعا على ديوانه ، ويستغرق عليه دون شعور ، / ١٤٦ / وهو يدخن في استرخاء بدني وروحي ؛ هو نوع من النوم والصحو ، دون أن يكون لا هذا ولا ذاك. ولا يجرؤ أحد في العالم أن يعكر عليه صفو هذه اللحظة الطقوسية حتى لو كان زوجته نفسها ، أو حتى أقرب الجواري إلى نفسه. إن حالة البين ـ بين هذه ، التي هي وسط بين الوجود واللاوجود ، والتي لا يمكن أن تعرّفها لأوروبي ، ولا يمكن له أن يفهمها ـ ليست إلا تطبيقا عمليا للممثل الشرقي القائل : خير لك أن تكون جالسا من أن تكون واقفا ، ومستلقيا من أن تكون جالسا ، ونائما من أن تكون مستلقيا ، وميتا من أن تكون حيا. ليس الموت الحقيقي هو المقصود هنا : لأننا في هذه الحالة لا نفكر ، ولا نشعر ، ولا نحلم ، ولا نعيش ، ولكننا نتنفس ، نعيش كما تعيش النباتات ، وهذا يمثل لدى العربي النعيم الأعظم ، والشعور المسبق بالنعيم الخالد. ذلك ما يسمونه الكيف.
وقد جعل الأتراك ، وخصوصا الطبقات الميسورة ، من هذه العادة الروحية ممارسة مادية ، وأفسدوا المتعة التي لا توصف للجسد والروح ، عند ما جعلوها مترافقة بشرب الكحول : إنهم يشربونه بشراهة حتى الثمالة ، وينتح عن