ولو أنهم استقروا فيها كما في بيزنطة ، كيف كان يمكن أن يعاملوا آباءنا؟ لن يكونوا بالتأكيد ، ولو حصل ذلك ، ليهتموا بالتحديث ، ولا بالتسامح ، ولكانت المقابر غصت بموتى النصارى. كانت الحرب في غير صالحهم ، وانتصر العنصر الغربي ، وإن الأتراك اليوم تحت رحمة أوروبا ، كما أن أروبا كانت ستكون تحت رحمتهم لو أن الهلال انتصر على الصليب. ولا أطلب أن / ٢٩٩ / نحقد عليهم ، ولا أن ننتقم منهم ؛ لأن مثل هذه الوسائل لم تعد مناسبة لروح العصر وطباعه ، والإنسانية تنكرها. ولكنهم ، ودون أن نعمل فيهم حد السيف كما فعلوا ذلك دون رادع بأعدائهم ، وكما كانوا سيفعلون بنا لو كنا تحت رحمتهم ، لا يستحقون في آخر الأمر هذا القدر من المراعاة ورحابة الصدر ؛ ولمّا كانت تركية ، كما يتردد بحق ، ليست إلّا مخيما عسكريا في أوروبا ، فما عليها إلّا أن تطوي خيامها وتذهب لتنصبها في مكان آخر : وإن آسيا واسعة لتعوضها عن ذلك. عند ما يصبح الأقوى هو الأضعف فإنه ببساطة يخسر كل ما كان يدين به لقوته. وإن كل شعب عاجز عن الدفاع عن نفسه بنفسه ، ليس أهلا للحياة ، ومحكوم عليه بالفناء.
لم نعد اليوم نحترم هذه المقاييس العظيمة التي تحل وحدها كبريات المسائل ، والتي تجعلها الضرورة حتما لا بد منه. وكلما أجلنا الحلول كان تطبيقها أكثر صعوبة ، وفي بعض اوحيان أكثر هؤلاء ، ونجد أنفسنا بعد ذلك ، لأننا لم نوجه الضربة الحاسمة في الزمن المناسب ، مضطرين لتوجيه ألف ضربة لا تصيب في الغالب هدفها ، وتكلف أكثر بكثير. إن اليونان ، أو على الأقل قسما صغيرا من هذه القارة المجيدة ، كسرت قيودها بتشجيع متعاطف من أوروبا وبمساعدتها. وإن الإمارات الدانوبية / ٣٠٠ / ستفعل مثل ذلك
__________________
ـ فرصوفيا عام ١٦٩٦ م ، وأعظم أعماله الحربية أنه أفلح في إيقاف جيش من ٣٠٠ ألف تركي وتتري عند أسوار فينا ومعه جيش قليل وذلك في عام ١٦٨٣ م ، وكان قد تمكن في عام ١٦٦٧ م من رد هجوم جيش من الأتراك والتتار والقوقازيين عدده ١٠٠ ألف جندي.