ذلك ، وأي شعب في أوروبا كلها لا يبدي نهما للذهب يفوق بكثير ما نجده عند أولئك البدو من حب المال : والفارق الوحيد بين الحالتين هو أننا في أوروبا نختلس بمهارة ، ونغش ، ويبيع المرء ضميره وشرفه ، بينما يفرض العربي المال على القوافل ، ويغزو أعداء قبيلته من القبائل الأخرى علنا ، ويعرّض حياته للخطر ، ويقترن كل ذلك في ذهنه بمصادفات الحرب ، وأخطارها ، وقوانينها ، وتكون تلك الأفعال مطبوعة في الوقت نفسه بضرب من السمو لا تجده بالتأكيد في الاختلاس الصامت والخفي الذي يمارسه الأوروبيون.
ليس لدى الأتراك ما يقدمونه مقابل هذه المناقب والمثالب إلّا المثالب الخالصة ، ومناقب لم تعد موجودة ؛ فالشجاعة التي كانت مصدر قوة أسلافهم ونجاحهم لم تعد موجودة لديهم إلّا في الحكايات ؛ فلا يكاد أحد ينجو من شراستهم ، ولا يعادل عنفهم / ٣٠٢ / إلّا غدرهم ؛ وهم فاسدون بلا رادع : فالجشع الذي لا يشبع ، والارتشاء بلا خجل ينتشران في كل الأعمال العامة والخاصة ، من أعلى موظفي الإمبراطورية إلى أدناهم. إذا ، إن العرب يتفوقون عليهم إن في الجانب الأخلاقي ، وإن في الذكاء ، والعقلية ، والثقافة.
وليس بالغريب انطلاقا من ذلك كله أن يعاني العرب معاناة مضاعفة من تبعيتهم للأتراك ؛ لأن ذلك طغيان أجنبي ، ولأن الذين يمارسونه هم زعماء محليون. لقد حاولوا في وقت قريب التخلص من نير الأتراك ، ولكن المشروع كان ينقصه الاتحاد ففشل. جرى القتال في مكة المكرمة ، وخرّ مئة من العرب صرعى في المواجهة الأولى ، واستولى الأتراك على المدينة المقدسة ، واستعادوا الطائف التي كانت قد أعلنت استقلالها عنهم ، والله وحده يعلم ماذا فعلوا بعد نصرهم! أتعرفون من كان على رأس الحركة؟ إنه الشريف عبد المطلب الذي تعرفنا إليه في هذه الرحلة ، والذي امتدحت خصائله باستطراد ، والذي استطعت على الرغم من تحفظه ، الوصول إلى ميوله الحقيقية. ولمّا كان مقتنعا بضرورة التمرد فقد قام السلطان بنزع صلاحياته ، واستبدل به ابن عون الذي كان عبد المطلب نفسه قد حل محله قبل خمس أو ست سنوات ، وهو يقيم في إستانبول. وقد وقع عبد المطلب بعد زمن بأيدي الأتراك فحملوه