في مقابل عين موسى تقريبا ، على الجانب المواجه جبل عتاقة (١) ، كأنه عملاق من الحجارة شهد منذ أكثر من أربعين قرنا مرور رهط من المصريين على سفوحه ، وعلى رأسهم فرعون / ٣٥ / يطاردون بني إسرائيل.
كانت الليلة جميلة صافية ، ولم يعكر صفو الهدوء إلا أصوات الأمواج التي تتكسر على جانب المركب الراسي. وكان القمر يلقي على جبال الشاطئين ضوءا خافتا. كنت أرى تلك الجبال يكسوها الضباب ، ولكنها بادية للعيان ، وخلفيتها السماء المزينة بالنجوم ، ومنها ما ينتمي إلى آسيا ، ومنها ما ينتمي إلى إفريقيا ، وقد جال بخاطري بانفعال ، وأنا أراها ، أنني هنا معلق ، إن صح القول ، بين عالمين ؛ إفريقيا التي أبتعد عنها ، لأعود إليها قريبا ، وآسيا الشاعرية التي تطؤها قدماي أول مرة.
يفصل بين العالمين خليج ضيق ، يبدوان كأن كلا منهما يحدق بالآخر ، كعدوين جاهزين ، لأن يلقي أحدهما بنفسه على الآخر. ولكن قوة التوسع وروح الغزو التي تنتج عنها ينتميان إلى آسيا ، وقد دفعاها إلى مد سلطتها خارج حدودها في عصور التاريخ المختلفة ، وجعلاها في الماضي تؤدي دورا رائعا.
أما إفريقيا فهي على العكس عنصر المقاومة والثبات : مع بعض الاستثناءات المعدودة ، القرطاجيون على سبيل المثال الذين امتدت سلطتهم بعيدا ، وحدثتهم أنفسهم في لحظة بالاستيلاء على ثروة روما ، علما بأنهم من أصل فينيقي ؛ أي آسيوي ، ولم تواجه إفريقيا / ٣٦ / الغزاة الخارجيين إلا
__________________
ـ كان من شأنه أن يمثل موضوعا جد رائع لموعظة تدور حول فكرة فرعون جديد ...».
(١) قال بيرتون في رحلته (الترجمة العربية) ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ١٦١ : «... وعند غروب الشمس رسونا ـ ولا زالت السويس على مرأى منا ـ تحت جبل عتاقة متخذين منه ملاذا يحجب الريح عنا ، وعلى الساحل الشرقي كانت توجد قلة من بساتين النخيل متجمعة حول (عيون موسى) أما في الغرب فيقع بين ـ حيدين برجيين ـ مصب وادي (مسيل) الطوارق أو وادي موسى أو وادي البادية الذي خرج منه بنو إسرائيل إلى البحر البردي Sedge The Sea of وفقا لما يقوله الأب سيكاردSicard.