بمقاومة سلبية ، تحولت بعد ذلك إلى مقاومة يخشاها الأعداء ، ولا يمكن في الغالب قهرها بسبب الظروف الطبيعية للأرض والطقس. كانت هاتان القارتان الغامضتان تقبعان هنا أمامي ، وكأنهما أكبر مشكلتين تعترضان دراسات الباحثين ، وتأملات المفكرين. إحدى المشكلتين ، أعني آسيا ، كاد العلماء من زمن يصلون إلى حل نصف أسرارها ، ويمكن أن نتوقع حلّ مشكلتها كليا في المستقبل القريب جدا. في حين أننا لا نكاد نلمح التخوم الأولية للمشكلة الثانية ، إفريقيا التي استعصت حتى اليوم على الجهود المتعاضدة للعلم والحرب والتجارة. وإن أكثر الرحلات الاستكشافية تخطيطا ، التي نفذت بشجاعة فائقة لم تشتهر إلّا بالمصائب التي آلت إليها! فكل عام يشهد هلاك واحد من أولئك الباحثين الشجعان ، أما أولئك الذين يعودون ؛ فإنهم يعودون بخفي حنين ، وإن القضية ، التي يذهبون من أجلها تظل بعد عودتهم بكرا كما كانت عليه عند انطلاقهم. وليس علينا إلّا أن نلقي نظرة على أحدث الخرائط وأكملها لهذه المنطقة من العالم ، ليغلبنا الحزن ، ونجد أنفسنا معنيين بالفراغ المريع المنتشر على تلك الخرائط : عدا محيط صغير ، ما زال يفتقر هو أيضا إلى الأسماء الصحيحة ، أما الباقي فهو بياض واسع نجهد أنفسنا بلا طائل لملئه ، وربما لن نستطيع أبدا ملأه. إن تلك المساحات الواسعة من الأراضي المجهولة تشعر رؤيتها بالخوف / ٣٧ / وتحبط ، بقدر ما ترعب. هل يعقل أن الجنس البشري بعد ستة آلاف سنة من الوجود ، لا يمتلك إلّا معلومات قليلة ومضطربة عن الكون الضيق الذي يسكنه؟ كان القمر ما يزال مضيئا عند ما نشرنا أشرعتنا عند طلوع الشمس ، وعبرنا بركة فرعون المخيفة ، وأبحرنا حتى المساء في ظروف مؤاتية ، وكنا لا نزال نرى الشاطىء الإفريقي ، وخصوصا جبل غريب الضخم ، وإن كان الشاطىء الإفريقي قد بدأ يضيق شيئا فشيئا بالنسبة إلى الشاطىء الآسيوي. وإن أقرب الجبال من هذا الشاطىء هما جبلا (١) جقم (؟) Djkem ودعد (؟) Da\'ad ، وكلاهما أجرد. لقد انقضى اليوم دون أي
__________________
(١) كتب اسم الجبلين في الترجمة الإنكليزية لرحلة ديدييه ، موثق سابقا ، ص ١٩ ، Jakam and Da\'ad ـ جقم ودعد.