لو أنها احتفظت تماما بشكلها يوم أن خرجت من أمعاء الكون ؛ لم تنم أية نبتة في هذه الأنحاء ، ولا يمكن لأي منها أن تنمو في المستقبل ، مع ذلك فإن هناك شجرة ، ولكنها وحيدة تنتصب في وسط المكان القاحل ، إنها شجرة سرو ضخمة ضخامة غير معتادة ، تشبه قمتها هرما ضريحيا يقاوم منذ قرون كل العواصف. ونجد عند جذور الشجرة بئرا ماؤها عذب وصاف ، ولا يشرب منها أحد ، لأنه لا أحد يسكن ، ولا أحد يعبر هذه الأرض الموحشة وحشة مخيفة عدا بعض المسافرين. / ٧١ / لقد قضيت استراحة طويلة بجوار تلك البئر المهجورة ، في ظل شجرة السرو العملاقة ، متوغلا ومتحديا ، إن صح القول ، تلك الطبيعة القاسية ، العظيمة ، والموحشة ، والمنعزلة كل العزلة ، والمفعمة بالأمجاد ، والعامرة بكم هائل من الذكريات ، والتي تبدو للبصيرة والبصر أنها أرض أمجاد خالدة. إن من يرى تلك الطبيعة المؤثرة يشعر أن أحداثا عظيمة وهائلة جرت بين أحضانها ، وأنها خلقت وتكوّنت لتكون مسرحا لأسرار جليلة ، ولمعجزات فائقة ، ونشعر أن الله اختارها ليوحي فيها إلى أنبيائه. كم هناك من أحداث ، وكم من القرون التي لم نلق عليها ولو نظرة واحدة! ذلك هو بادىء ذي بدء جبل سيناء الذي يخطف الأبصار ، والذي أوحي إلى موسى على قمته الرسالة السماوية وسط البرق والرعد ، تلك الرسالة التي ما زالت حية بعد أن مرّت عليها قرون عديدة ؛ وإلى الأسفل قليلا نجد المغارة التي قضى فيها موسى عليهالسلام أربعين يوما وليلة في الصحراء بين يدي الله وبحمايته الحانية بعد أن أوحى إليه ، وفي الأمام هناك حوريب حيث تلقى موسى رسالته السماوية ، وهو جاث على ركبتيه أمام العليقة المشتعلة ، وكنت أرى على بعد خطوات مغارة أخرى رأى فيها إيلياE ? lie أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل ، رؤياه التي تعد إحدى أكثر الرؤى التي تتحدث عنها الكتب المقدسة رعبا. لنستمع إلى المؤرخ الجليل الذي يحكي تلك الرؤيا ، ولن نعرف كيف نعبر عن الإحساسات / ٧٢ / المؤثرة التي تسيطر على النفس في أثناء ذلك ، دون أن نستشهد بعبارات المؤرخ نفسه ؛ لأننا هنا نكتشف ونشعر أن تلك العبارات موحاة ، إن لم تكن قد كتبت في هذا المكان ،