وأن كلا منها يحمل سمة هذا المكان الرائع. «مشى إيليا أربعين يوما ، وأربعين ليلة ، حتى وصل إلى جبل حوريب ، الجبل الذي تجلت عليه الذات الإلهية ، وهناك دخل مغارة في الجبل ، حيث بات الليلة فيها ، ثم أوحى إليه الباقي ، وقال له : «أخرج وقف على الجبل أمام الرب. وإذا بالرب عابر ، وريح عظيمة وشديدة قد شقّت الجبال ، وكسرت الصخور أمام الرب ، ولم يكن الربّ في الريح. وبعد الريح زلزلة ، ولم يكن الربّ في الزلزلة ، وبعد الزلزلة نار ، ولم يكن الربّ في النار. وبعد النار صوت منخفض خفيف. فلمّا سمع إيليا لفّ وجهه بردائه ، وخرج ، ووقف في باب المغارة. وإذا بصوت إليه يقول : ما لك ههنا يا إيليا» (١). ألا نتخيل ونحن نقرأ هذا الكلام الرائع أننا نشهد ثورات جيولوجية هزت بعنف هذه الأرضين المختارة منذ الأزل؟
ذلك الزلزال الرهيب الذي يحرك الجبال ، وتلك العاصفة الهوجاء التي تجعل الجبال تميد وتتداعى ، تلك النار المتأججة التي تحرقها وتجعلها عقيمة / ٧٣ / أي شيء هذا إن لم يكن تعبيرا عن عوامل في باطن الأرض أو خارجها ، لذلك الاضطراب العظيم للمادة كما يتصوره العلم ويشرحه في أيامنا هذه؟
إذا ، ليست رؤيا إيليا إلا حدسا ، بل ، كأنما هي رؤية ثانية للاضطراب الفيزيائي الذي تحمل كل صخرة هنا آثاره التي لا يمكن إنكارها. وإن تلك النسمة الرقيقة والناعمة التي تلت اضطراب العناصر ، والتي شعر معها النبي بتجلي الذات الإلهية ؛ إنها حقا الذات الإلهية ؛ أي العلم المطلق الذي ما إن استقر الكون بأمره حتى بسط عليه هيمنته ، وخلق ظواهره ، وقدّر قواه ، وسبر غور أسراره ، وتعالى عن الحياة المادية ، فقدر العلل والأسباب ، وحاز مع الحكمة القدرة على الخلق الذي اختص وحده بفهم أسراره. إن البحث في
__________________
(١) سفر الملوك الأوّل ، الإصحاح ١٩ ، عدد ٨ وما بعدها (المؤلف). وجاء في كتاب : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٢٩ «... والجبل الذي جاءه إيليا النبي بعد سفر شاق من «بئر سبع» دام أربعين نهارا وأربعين ليلة فبات في مغارة وكلمه الرب بعد زلزلة عظيمة «بصوت منخفض خفيف».