مثل هذه الأمور يكتسب هنا أهمية لا يكتسبها في أي مكان آخر ؛ لأننا لا نجد في الكون مكانا مثله احتفظ بمعالمه نفسها ، ناهيك عن روعة التاريخ والتقاليد ، مما يوقظ المشاعر ويأسر الروح.
إن لشبه جزيرة سيناء شكلا مثلثا ، يربطها أحد أضلاعه بالقارة ، في حين أن الزاوية المقابلة تتوغل في البحر على شكل نتوء صخري ، أما الضلعان الآخران فإنهما محاطان بخليجين ؛ خليج السويس في الشمال ، وخليج العقبة في الجنوب ، وباستثناء بعض المصاطب الكلسية في المناطق المنخفضة / ٧٤ / فإن أرضها ظلت على تكوينها الأول ، تعج بالقمم والنتوءات الصخرية التي تتبع كلها تنظيما واحدا ، وتنطلق من مركز مشترك. تتلوى في المنخفضات وديان ضيقة ، ورملية ، ليس فيها زرع إلّا ما في بعض واحات نخيل التمر قرب عيون الماء والآبار.
أما مرتفعات سيناء فتجثم وسط البرزخ ، وتشرف على شبه الجزيرة كلها. ولنا أن نتخيل المنظر الرائع الذي نتمتع به من أعلى مشهد كهذا المشهد. يقع النظر من كلا الجانبين على خليجين ، ويتابع تعرجاتهما كما لو أنه يشاهدها على الخريطة ، وتقع جزيرة تيران (١) في قاعدة خليج العقبة (٢). ويبدو من الغرب ، فضلا عن الأودية والمرتفعات التي تمتد عند أقدامنا ، البحر الأحمر الذي يظهر من هنا وكأنه نهر ، وليس بحرا واسعا لا نتمكن لاتساعه من رؤية الساحل الإفريقي الذي يبدو للعيان بجباله الضخمة التي توجد وراءها صحراء أخرى ذات أهمية كبرى لدى النساك المسيحيين الأوائل ؛ إنها مكان معزول كانوا يذهبون إليه ليبحثوا في العزلة والتأمل والوحدة ، عن شعور أولي بالسلام الأبدي.
__________________
(١) هذه الجزيرة هي الآن تابعة للمملكة العربية السعودية ، وتكتب في الخرائط : ثيران والصحيح أنها : تيران.
(٢) يحد سيناء الجنوبية من الشرق ، وطوله من رأس محمد إلى قلعة العقبة نحو مئة ميل ، وعرضه من سبعة أميال إلى أربعة عشر ميلا. وفيه ثلاث جزر إحداها تيران التي تقع عند قاعدته تجاه رأس محمد ، وبينهما مضيق حرج لمرور المراكب. تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ١٦.