أما من ناحية الشرق أخيرا ، باتجاه سوريا فإن النظر يتيه في أعماق صحراء بلا حدود ، إنها الصحراء نفسها التي تاه فيها بنو إسرائيل خلال أربعين سنة قبل أن يدخلوا بلد كنعان. / ٧٥ /
وقد لا حظت عرضا أننا نصادف العدد (٤٠) عدة مرات على طريقنا ، إنه يتكرر بكثرة في العهد القديم والعهد الجديد : فاليهود تاهوا أربعين سنة في الصحراء ، موسى عليهالسلام اعتزل أربعين يوما قبل أن يبلغ رسالته ، إيليا سار أربعين يوما وأربعين ليلة قبل أن يستقر في كهف حوريب ، صام المسيح عليهالسلام في عزلته أربعين يوما ، وظل أربعين ساعة في قبره قبل أن يبعث من جديد.
ويبدو أن لهذا العدد عند اليهود شيئا من القداسة ، بل شيئا من السحر ، وإن له فضيلة خفية ، ضاع معناها ؛ مع أنه لا يدخل في تركيبه لا (٣) ولا (٧) وهما رقمان مقدسان (عند الساميين).
يوجد في قمة جبل سيناء مصلى مسيحي يحمل اسم النبي موسى عليهالسلام ؛ وإن المسلمين الذين يجلون هذا النبي كما يجله المسيحيون أقاموا له في هذه القمة مسجدا يحمل اسمه ، ناهيك عن أنهم أطلقوا اسمه على الجبل ؛ جبل موسى.
ويروى أن النبي محمدا صلىاللهعليهوسلم زار هذا الجبل ، ومنه عرج به إلى السماء. وما زال الناس يشيرون إلى أثر قدم ناقته على إحدى الصخور (١) هناك. تقوم في قلب أحد الأودية المجاورة واحة صغيرة خصبة تعرف باسم بستان الأربعين شهيدا (٢) ؛ لأن أربعين مسيحيا ، الرقم أربعون أيضا ، استشهدوا فيها أيام
__________________
(١) جاء في تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٢٢٥ : «... ويوجد هناك (في قمة جبل موسى) كنيسة صغيرة وجامع صغير ... وقبل وصولك إلى قمة الجبل بنحو ٥ دقائق تجد على الطريق أثرا في صخره كأثر قدم الجمل يدل البدو عليه أنه الأثر الذي تركه جمل النبي محمد صلىاللهعليهوسلم لما زار الجبل ...».
(٢) جاء في تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٢٢٧ :(«فاللجاة العليا» في رأس الوادي. وهناك بستان عظيم من شجر الزيتون وبعض أشجار الفاكهة. وخمس عيون ماء. منزل قديم للرهبان وكنيسة «الأربعين شهيدا» وهم الشهداء الأربعون الذين قتلوا ـ