رحلتي عدد من رهبان الدير ، وأراد الأخ بيير أن يرافقني ؛ كان شخصا غريبا كل الغرابة ، يلبس جلبابا أزرق ، وقلنسوة أسطوانية ، ويقاسم الرهبان حياة التقشف ، مع أنه ليس برجل دين. كان يوناني الولادة ، درس في / ٧٧ / الجامعات الأجنبية ، وكان يتحدث بسهولة عجيبة عددا من اللغات إحداها الفرنسية. ويبدو عليه أنه يمتلك ثقافة متنوعة ، وكان يعنى على وجه الخصوص بالفلك والموسيقي ، حتى أسند إليه مسؤولو الدير أن يعلم الرهبان المستجدين في الدير الموسيقى على الأقل. ولكنني فوجئت ، بعد أن تحدثت معه ، بما لاحظته من اضطراب في معارفه ، ومن تشوش في أفكاره ، وقد زالت دهشتي عند ما أخبرت أنه مجنون ، وأن أسرته التي عرفت بعض أفرادها في القاهرة ، تعد وجوده في الدير كما لو أنه في مصحة ، لقد كان جنونه خفيفا جدا ، وإنني أعرف عددا من الناس الذين يقال : إنهم عاقلون والذين كانت بالتأكيد صحبتهم أشد علي من صحبته. وليس من شك أن هذا المجنون المسالم والمجدّ يمكن أن يصبح في يوم من الأيام بطل حكاية أسطورية ، بذورها موجودة في الروايات المتناقضة التي يتداولها الناس بشأنه.
يسمى جبل سيناء في المنطقة جبل الشريعة ، وإن اسم القديس إيبستيموس Saint Episte ? me الذي يلامس الجبل المسمى باسمه الدير من الجهة المقابلة ، يعني باليونانية : المعرفةSavoir مما جعلني أقول للرهبان : إنه لمّا كان ديرهم يقع بين العلم والشريعة ، فإنه من غير المستغرب أن يكونوا قديسين وعلماء. لقد كنت أصانعهم بالطبع بما قلت ؛ لأنهم لا نصيب لهم من هذا أو ذاك ؛ إن لدي عموما القليل من الأشياء الجيدة لأقولها عنهم ، ولن أتمكن على الخصوص ، وأنا صادق ، من إطراء تخليهم عن مكاسب الدنيا
__________________
ـ باشا تولى مصر عباس باشا أكبر أولاد الأسرة العلوية. وقد زار سيناء ، واهتم بها اهتماما كبيرا ، وظهر أنه نوى أن يجعلها مصيفا له ، فبنى فيها الحمام فوق النبع الكبريتي قرب مدينة الطور. ومهّد طريقا من دير طور سيناء إلى قمة جبل موسى. وشرع في بناء قصر جميل على جبل «طلعة» غربي جبل موسى. وشرع في مد طريق للعربات من مدينة الطور إلى القصر ، ولكن عاجلته المنية قبل أن يتمها ...».