وأقول :
قد عرفت ممّا سبق في المبحث الثاني من المسألة الأولى (١) أنّه لو قلنا باستناد الممكنات كلّها إلى الله تعالى بلا واسطة ، وأنكرنا العلاقة والسببية بين الحوادث المتعاقبة خارجا ، أو طبعا ، لزم عدم الحكم على الجسم بالحدوث ، ولا على المركّب بالإمكان ، ولزم جواز وجود العرض بلا معروض ، والجسم بلا مكان ؛ وكلّها باطلة ... إلى غير ذلك ممّا مرّ.
ومنه يعلم ما في قوله : « لا مؤثّر إلّا الله تعالى » كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
وأمّا قوله : « فله أن يوجد المماسّة بدون الإحراق ، وإن يوجد الإحراق بدون المماسّة ».
فإن أراد به أنّ له أن يوجد المماسّة بدون الإحراق ، مع كون النار والمماسّ لها على طبيعتهما ، فممنوع ؛ إذ ليس محلّا للقدرة ، لكونه محالا.
وإن أراد به أنّ له الإيجاد ، مع تغيير الطبيعة ، فمسلّم ؛ ولكنّه خارج عن محلّ الكلام.
كما أنّ إيجاد الإحراق بلا مماسّة إن أراد به الإحراق المطلق ، فمسلّم.
وإن أراد به الإحراق الذي ينشأ بشخصه من النار ، فممنوع.
ولا يخفى أنّ التوقّف على الأسباب لا ينافي القدرة ؛ لأنّ المقدور
__________________
(١) انظر الصفحة ٥١ وما بعدها من هذا الجزء.