وأقول :
قد سبق أنّ القبيح عندهم ما نهي عنه شرعا ، والحسن ما لم ينه عنه كما في « المواقف » (١).
وحينئذ فالأفعال كلّها ليست حسنة أو قبيحة بالنظر إلى ذواتها وقبل تعلّق التكاليف بها ، وإنّما تكون حسنة أو قبيحة بعد تعلّقها بها.
فلو تعلّق أمره تعالى مثلا بالكفر وتكذيب الأنبياء وتعظيم الشياطين كانت حسنة وكان أمره أيضا حسنا ؛ لأنّ أمره من فعله ، وفعله حسن ؛ لأنّه لم ينه عنه فيشمله تعريف الحسن المذكور ، كما صرّح به في « شرح المواقف » (٢) وذكرناه سابقا (٣) ..
وحينئذ يتمّ ما ذكره المصنّف قدسسره بقوله : « لو كان الحسن والقبح شرعيّين لحسن من الله تعالى أن يأمر بالكفر » فإنّ الكفر ـ مثلا ـ ليس قبيحا قبل التكليف ، فيصحّ تعلّق الأمر به ، وإذا تعلّق به صار حسنا كما يحسن الأمر به.
وبذلك يعلم أنّه لا محلّ لتفسير الخصم للحسن والقبح الشرعيّين بأنّ الشرع حاكم بهما ، ولا لترديده في مراد المصنّف رحمهالله بالحسن بين أمرين لا دخل لهما بمقصود المصنّف ولا بمصطلح الأشاعرة.
على إنّه لو أراد المصنّف الشقّ الأوّل فهو لازم لهم على مذهبهم ؛
__________________
(١) المواقف : ٣٢٣.
(٢) شرح المواقف ٨ / ١٨٢.
(٣) انظر الصفحتين ٤١٣ ـ ٤١٤ من هذا الجزء.