وأقول :
ليت شعري أكان محلّ الكلام في حسن الأفعال وقبحها عقلا مشروطا بأن لا تكون فيها مصلحة ومفسدة حتّى يقول : إنّ قبح العبث لكونه مشتملا على مفسدة؟!
ومنشأ اشتباهه أنّه رأى أصحابه يعبّرون عن ملاءمة الغرض ومنافرته بالمصلحة والمفسدة (١) ، فتخيّل ذلك ولم يعلم أنّهم إنّما جعلوا الحسن والقبح ـ اللذين بمعنى الملاءمة والمنافرة ، والمصلحة والمفسدة ـ خارجين عن محلّ النزاع ؛ لا أنّه يشترط في محلّ النزاع عدم المصلحة والمفسدة في الفعل واقعا.
على إنّ قبح العبث ضروري وإن لم يشتمل على مفسدة ، بل لو اشتمل عليها لم يثبت القبح عندهم بمعنى المنافرة للغرض ، إذ لا غرض للعابث ، فيلزم أن لا يقبح العبث عندهم وقد أقرّوا بقبحه!
وأمّا قوله : « وقبح مذمّة العالم ، وحسن مدحة الزاهد » ..
ففيه : تسليم للحقّ باسم المعارضة ، والوفاق بصورة الخلاف ، فما ضرّهم لو أنصفوا؟!
واعلم أنّ الخصم لم يجب عن قبح تكليف ما لا يطاق عجزا عن الجواب ؛ لأنّ التكليف المذكور ليس عندهم صفة نقص ولا مفسدة ، وإلّا لما أجازوه على الله تعالى.
__________________
(١) شرح المواقف ٨ / ١٨٢.