وأقول :
لا يخفى أنّ النزاع بيننا وبين الأشاعرة لا يخصّ الرؤية ـ وإن كان الكلام فيها أوضح ـ ، بل يعمّ مطلق الإدراك بالحواسّ الظاهريّة.
فإنّهم كما أجازوا تحقّق الرؤية بدون شرائطها ، وأجازوا رؤية الكيفيّات النفسانيّة ـ كالعلم ، والإرادة ، ونحوهما ـ ، ورؤية الكيفيّات الملموسة ، والأصوات ، والطعوم ...
أجازوا سماع المذكورات ، ولمسها ، وشمّها ، وذوقها ؛ لإحالتهم كلّ شيء إلى إرادة القادر المختار ، من دون دخل للأسباب الطبيعيّة ؛ كما سيصرّح به الخصم في المبحث الآتي وغيره.
ولأجل عموم النزاع ، جعل المصنّف رحمهالله عنوان المسألة : الإدراك ، وأراد به مطلق الإحساس بالحواسّ الظاهريّة.
ولذا تعرّض في هذا المبحث الأوّل للقوى الظاهريّة ، وتدرّج الطفل فيها ، ثمّ قال : « فالمحسوسات إذا : هي أصول الاعتقادات ، ولا يصحّ الفرع إلّا بعد صحّة أصله ».
وتعرّض في المبحث الثالث والرابع والسادس لما يتعلّق بغير الرؤية.
فحينئذ لا معنى لما زعمه الخصم من أنّ المصنّف أراد بالإدراك خصوص الرؤية.
ولو سلّم ، فلا وجه لإنكار الخصم صحّة إرادة الرؤية من الإدراك ، وقيام القرينة عليها ، فإنّه بعد ما زعم وجود الدليل على إرادتها منه ، فقد أقرّ بثبوت القرينة ، إذ ليست القرينة إلّا ما يدلّ على المراد باللفظ.