في هذا المقام ، والغرض أنّه لم يكن من أهل المعقولات حتّى يظنّ أنّه شنّع على الأشاعرة من الطرق العقليّة.
ثمّ في قوله : « وأنكروا قضايا محسوسة ـ على ما يأتي بيانه ـ فلزمهم إنكار المعقولات الكلّيّة ».
أراد به أنّهم أنكروا وجوب تحقّق الرؤية عند شرائطها ، وعدم امتناع الإدراك عند فقد الشرائط ؛ وأنت ستعلم أنّ كلّ ذلك ليس إنكارا للقضايا المحسوسة.
ثمّ إنّ إنكار القضايا المحسوسة ، أراد به أنّهم يمنعون الاعتماد على القضايا المحسوسة ، لوقوع الغلط في المحسوسات ، فلا يعتمد على حكم الحسّ.
وهذا هو مذهب جماعة من العقلاء ، ذكره الأشاعرة وأبطلوه ، وحكموا بأنّ حكم الحسّ معتبر في المحسوسات ، كما اشتهر هذا في كتبهم ومقالاتهم (١).
ولو فرضنا أنّ هذا مذهبهم ، فليس كلّ من يعتقد بطلان حكم الحسّ يلزمه إنكار كلّ المعقولات ، فإنّ مبادئ البرهان أشياء متعدّدة ، من جملتها المحسوسات ، فمن أين هذه الملازمة؟!
فعلم أنّ ما أراد ـ في هذا المبحث ـ أن يلزم الأشاعرة من السفسطة ، لم يلزمهم ، بل كلامه المشوّش ـ على ما بيّنّا ـ عين الغلط والسفسطة.
والله العالم.
__________________
(١) انظر : الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٣٧ ، شرح المقاصد ٢ / ٣٠٥ و ٣١٢ ـ ٣١٣ وج ٤ / ١٤٠ ، شرح المواقف ٧ / ٢٠٠ ـ ٢١٠.