فأبشروا ، فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله وعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر ، فقال المنافقون : ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم ، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا ، فنزل القرآن (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [الأحزاب : ١٢] وأنزل الله في هذه القصة (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) [آل عمران : ٢٦] انتهى.
وقوله «ذو باب» كذا هو بالواو بعد الذال ، فإن صحت الرواية به فهو اسم لذباب أيضا ؛ لأنه مضرب القبة في الخندق ، ولم أر من ذكر ذو باب في بقاع المدينة.
وروى الواقدي في سيرته أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يضرب يوم الخندق بالمعول ، فصادف حجرا صلدا ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم المعول وهو عند جبل بني عبيد ، فضرب ضربة فذهبت أولها برقة إلى اليمن ، ثم ضرب أخرى فذهبت أخرى إلى الشام ، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة نحو المشرق ، وكسر الحجر عند الثالثة ، فكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول : والذي بعثه بالحق لصار كأنه سهلة ، وكان كلما ضرب ضربة يتبعه سلمان ببصره فيبصر عند كل ضربة برقة ، فقال سلمان : رأيت المعول كلما ضربت به أضاء ما تحته ، فقال : أليس قد رأيت ذلك؟ قال : نعم ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : إني رأيت في الأولى قصور اليمن ، ثم رأيت في الثانية قصور الشام ، ورأيت في الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن ، وجعل يصفه لسلمان ، فقال : صدقت والذي بعثك بالحق إن هذه لصفته ، فأشهد أنك رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هذه فتوح يفتحها الله عليكم بعدي يا سلمان ، ليفتحن الشام ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد ، ولتفتحن اليمن ، ولتفتحن هذا المشرق ويقتل كسرى فلا يكون كسرى بعده ، قال سلمان رضي الله تعالى عنه : فكلّ هذا قد رأيت.
وما تقدم من فراغ الخندق في ستة أيام هو المعروف ، لكن قال الحافظ ابن حجر : إن في مغازي ابن عقبة أنهم أقاموا في عمله قريبا من عشرين ليلة ، وعند الواقدي أربعا وعشرين ، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوما ، وفي الهدى لابن القيم : أقاموا شهرا ، انتهى. والذي في الهدى : وأقام المشركون شهرا يحاصرون ، وكذا ما نقله عن الروضة إنما هو في الحصار ، وكذا ابن عقبة إنما ذكر ذلك في الحصار كما سبق في السنة الخامسة ، لكن نقل ابن سيد الناس عن ابن سعد أن المدة في عمل الخندق ستة أيام ، ثم قال : وغيره يقول : بضع عشرة ليلة ، وقيل : أربعا وعشرين.