التقديم والتّأخير
من المسلم به أن الكلام يتألف من كلمات أو أجزاء ، وليس من الممكن النطق بأجزاء أي كلام دفعة واحدة. من أجل ذلك كان لا بد عند النطق بالكلام من تقديم بعضه وتأخير بعضه الآخر. وليس شيء من أجزاء الكلام في حد ذاته أولى بالتقدم من الآخر ، لأن جميع الألفاظ من حيث هي ألفاظ تشترك في درجة الاعتبار ، هذا بعد مراعاة ما تجب له الصدارة كألفاظ الشرط والاستفهام.
وعلى هذا فتقديم جزء من الكلام أو تأخيره لا يرد اعتباطا في نظم الكلام وتأليفه ، وإنما يكون عملا مقصودا يقتضيه غرض بلاغي أو داع من دواعيها.
وقبل الشروع في بيان هذه الدواعي وتفصيلها ينبغي التنبيه إلى أن ما يدعو بلاغيا إلى تقديم جزء من الكلام هو هو ذاته ما يدعو بلاغيا إلى تأخير الجزء الآخر. وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يكون هناك مبرر لاختصاص كل من المسند إليه والمسند بدواع خاصة عند تقديم أحدهما أو تأخيره عن الآخر ، لأنه إذا تقدم أحد ركني الجملة تأخر الآخر ، فهما متلازمان.
والآن ... وعلى ضوء هذه المقدمة نذكر أن أهم الدواعي والأغراض البلاغية التي توجب التقديم والتأخير في الكلام هي :
١ ـ التشويق إلى المتأخر إذا كان المتقدم مشعرا بغرابة. نحو قول الشاعر :
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها |
|
شمس الضحا وأبو إسحق والقمر |
فهنا قدم المسند إليه وهو «ثلاثة» واتصف بصفة غريبة تشوق النفس