الفصل الثالث
علم المعاني وأثره في بلاغة الكلام
بعد أن فصّلنا القول عن البلاغة والفصاحة وأوجه اتفاقهما واختلافها ، وبعد الكلام عن نشأة علم المعاني ، وبيان كيف كانت أساليبه المختلفة مختلطة في أول الأمر بأساليب علمي البيان والبديع ، وكيف كان ينظر إليها جميعا على أنها وحدة تؤلف بمجموعها أصول البلاغة العربية ، وبعد أن عرفنا كيف أخذت كل هذه الأساليب على مر العصور تتبلور وتنحو منحى التميز والاستقلال ، حتى صارت أساليب البديع علما على يد ابن المعتز ، والأساليب المتصلة بكل من المعاني والبيان علما واضح المعالم والمباحث على يد كل من عبد القاهر الجرجاني والزمخشري والسكاكي ... أقول بعد ذلك كله نحاول الآن أن نتبين أثر علم المعاني في بلاغة الكلام.
وتوطئة للحديث عن هذا الموضوع يجدر بنا أن نتذكر أن الباحثين في البلاغة العربية منذ صدر الإسلام لم يكونوا مدفوعين إلى ذلك بباعث الشغف العلمي والبحث النظري المجرد في البلاغة ، وإنما حفزهم في الواقع إلى الاشتغال بها رغبة ملحة في تحقيق هدفين : هدف خاص وآخر عام.
أما الهدف الخاص فكان هدفا دينيا يرمي إلى معرفة إعجاز كتاب