الفصل والوصل
من أسرار البلاغة العلم بمواطن الوصل والفصل في الكلام ، أو بعبارة أخرى العلم بما ينبغي أن يصنع في الجمل من عطف بعضها على بعض أو ترك العطف فيها ، والإتيان بها منثورة تستأنف واحدة منها بعد الأخرى.
وإدراك مواطن الوصل والفصل في الكلام لا تتأتى إلا للعرب الخلّص لأن اللغة لغتهم وهم ينطقون بها عن سليقة ، كما لا تتأتى إلا لمن طبعوا على البلاغة وأوتوا حظا من المعرفة في ذوق الكلام.
وقد بلغ من قوة الأمر في ذلك أنهم جعلوه حدا للبلاغة ، فقد جاء عن بعضهم أنه سئل عنها فقال : «البلاغة معرفة الفصل من الوصل» ، وذاك لغموض هذا الباب ودقة مسلكه ، ولأن من يكمل له إحراز الفضيلة فيه يكمل له إحراز سائر معاني البلاغة.
«والوصل» يعني عند علماء المعاني عطف جملة على أخرى «بالواو» فقط من دون سائر حروف العطف الأخرى ، كقول المتنبي :
أعزّ مكان في الدّنا سرج سابح |
|
وخير جليس في الزمان كتاب (١) |
ويقصد علما المعاني «بالفصل» ترك هذا العطف ، كقول الشاعر :
__________________
(١) الدنا : جمع دنيا ، والسابح : الفرس السريع الجري ، يقول : سرج الفرس أعز مكان لأن صاحبه يجاهد عليه في طلب المعالي ، والكتاب خير جليس لأنه مأمون الأذى.