من كل ماض في القديم وهدمه |
|
وإذا تقدّم للبناية قصّرا |
* * *
خروج النهي عن معناه الحقيقي :
عرفنا أن النهي الحقيقيّ في أصل الوضع هو طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام. ولكن الذي يتأمل صيغة النهي في أساليب شتى يجد أنها قد تخرج عن معناها الحقيقي للدلالة على معان أخرى تستفاد من السياق وقرائن الأحوال ، كما كان الشأن بالنسبة إلى الأمر.
ومن المعاني الأخرى التي تحملها صيغة النهي وتستفاد من السياق وقرائن الأحوال :
١ ـ الدعاء : وذلك عند ما يكون صادرا من الأدنى إلى الأعلى منزلة وشأنا ، نحو قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً)(١) كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ.
ومن أمثلته شعرا قول المتنبي في مدح علي بن منصور الحاجب :
أمهجّن الكرماء والمزري بهم |
|
وتروك كلّ كريم قوم عاتبا |
خذ من ثناي عليك ما أسطيعه |
|
لا تلزمنّي في الثناء الواجبا (٢) |
وقول أبي فراس من قصيدتين مخاطبا سيف الدولة :
فلا تحمل على قلب جريح ... |
|
به لحوادث الأيام ندب |
فلا تعدلنّ ـ فداك ابن عمّ |
|
ك ، لا بل غلامك ـ عمّا يجب |
وقوله أيضا :
__________________
(١) الإصر : أصله الحمل الثقيل الذي يأصر صاحبه أي يلزمه مكانه ، والمراد التكاليف الشاقة.
(٢) المهجن : المقبح. والقصيدة التي منها هذان البيتان تدعى «القصيدة الدينارية» لأن الممدوح ، كما يقال ، لم يعط الشاعر عليها إلا دينارا واحدا