أرى موضع زيادة ، وقال للمطيل : ما أرى موضع نقصان (١).
* * *
أما الأمر الثاني الذي يبحث فيه علم المعاني فهو دراسة ما يستفاد من الكلام ضمنا بمعونة القرائن.
فالكلام يفيد بأصل وضعه معنى نطلق عليه المعنى الحقيقي أو الأصلي ، ولكنه قد يخرج أحيانا عن المعنى الذي وضع له أصلا ليؤدي إلينا معنى جديدا يفهم من السياق وترشد إليه الحال التي قيل فيها.
فالغرض مثلا من إلقاء الخبر إلى المخاطب في أصل الوضع هو ، إمّا إفادته الحكم الذي تضمنه الخبر ، وإمّا إفادته أن المتكلم عالم بالحكم. كقولك : «كان عمر بن عبد العزيز لا يأخذ من بيت المال شيئا» ، وكقولك : «لقد كنت في مطار بيروت أمس».
ففي المثال الأول تريد إفادة السامع بما لم يكن يعرفه عن عمر بن عبد العزيز من الفقه والزهد في مال المسلمين. وفي المثال الثاني لا تريد إفادة السامع مضمون الكلام لأن ذلك معلوم له قبل أن تعلمه أنت ، فالسامع في هذه الحال لم يستفد علما بالخبر نفسه ، وإنما استفاد أنك عالم به.
ذلك هو الغرض من إلقاء الخبر في أصل الوضع ، إما إفادة المخاطب بالحكم ، وإما إفادته أن المتكلم عالم به. ولكن الخبر قد يخرج عن هذين المعنيين ليؤدي إلينا معنى جديدا يفهم من السياق.
تأمل مثلا قول أبي فراس الحمداني :
ومكارمي عدد النجوم ومنزلي |
|
مأوى الكرام ومنزل الأضياف |
وكذلك قول أبي العتاهية في رثاء ولده عليّ :
بكيتك يا عليّ بدمع عيني |
|
فما أغنى البكاء عليك شيا |
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص : ١٩٠.