فالمعري يوجّه الخبر الذي تضمنه كل بيت هنا إلى مخاطب متردد في حكم الخبر ومضمونه ، ولهذا حسن توكيد الكلام له بمؤكد تمكينا له من نفسه وحسما للشك في حقيقته. وهذا الضرب من الخبر «طلبيّ». وأداة التوكيد في البيت الأول «إنّ» المشددة النون. وفي البيت الثاني «ما الزائدة» بعد كلمة «إذا» ، وفي البيت الثالث «قد».
والطائفة الثالثة من شعر أبي العلاء المعري أيضا ، وهي :
أ ـ ألا إنّ أخلاق الفتى كزمانه |
|
فمنهنّ بيض في العيون وسود |
ب ـ لعمرك ما في الأرض كهل مجرّب |
|
ولا ناشىء إلّا لإثم مراهق (١) |
ج ـ لقد نفق الرديء ، وربّ مر |
|
من الأقوات يجعل في الصحاف (٢) |
فالمعري في هذه المرة يتجه بالخبر في كل مثال من الأمثلة هنا إلى شخص ينكر حكم الخبر ويعتقد فيما يخالفه ، ولذلك كان من الواجب تأكيد الخبر له على حسب إنكاره قوة وضعفا ، بمعنى أن يزاد له في التأكيد كلما اشتد إنكاره.
وقد أكد له الخبر في البيت الأول بمؤكدين هما : حرف التنبيه «ألا» و «إنّ» المشددة النون ، وفي البيت الثاني بمؤكدين هما : لام الابتداء ، والقسم في «لعمرك» إذ معناها «لعمرك قسمي» ، وفي البيت الثالث أكد له الخبر بمؤكدين أيضا هما : لام الابتداء ، وقد في «لقد». وهذا الضرب من الخبر «إنكاريّ».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكم على الخبر بأنه ابتدائي ، أو طلبي ، أو إنكاري ، إنما هو على حسب ما يخطر في نفس القائل من أن سامعه خالي الذهن أو متردد أو منكر.
__________________
(١) مراهق : مرتكب.
(٢) نفق الرديء : راج وكثر طلابه. الصحاف : جمع صحفة ، والصحفة : إناء أو وعاء كالقصعة.