٢ ـ أن يجعل غير المنكر كالمنكر لظهور أمارات الإنكار عليه. ومثال ذلك قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ؛) فالمخاطبون بهذه الآية الكريمة لا ينكرون حقيقة الموت بالنسبة للإنسان ، وأنه مهما طال أجله فإن مصيره إلى الموت والفناء ، وعلى ما يقتضيه الظاهر كان يجب أن يلقى الكلام إليها خاليا من التأكيد ، ولكننا مع ذلك نرى أن الكلام قد خرج عن مقتضى الظاهر وألقي إليهم مؤكدا. فما السبب في ذلك؟.
السبب ظهور أمارات الإنكار عليهم ، فإن نسيانهم للموت وتكالبهم على مطالب العيش كأنهم مخلدون أبدا ، وعدم بذلهم في الحياة الدنيا ما ينفعهم في الآخرة ، كل هذه بوادر منهم تدل على إنكارهم لحقيقة الموت ، ومن أجل ذلك نزّلوا منزلة المنكرين ، وألقي الخبر إليهم مؤكدا بمؤكدين هما «إن» و «لام الابتداء».
ومثال ذلك أيضا قولك لمن يعقّ والديه ولا يطيعهما : «إن برّ الوالدين لواجب» ، فالمخاطب بهذا الكلام لا ينكر أن برّ الوالدين واجب ولا يداخله شك في ذلك. وكان مقتضى الظاهر أن يلقى إليه الخبر غير مؤكد ، ولكن عقوقه لوالديه ، وغلظته في معاملتهما ، وعدم إطاعتهما ، كل ذلك اعتبر من علامات الإنكار ، ولذلك نزّل منزلة الجاحد المنكر وألقي الخبر إليه مؤكدا بمؤكدين وجوبا ، خروجا عن مقتضى الظاهر :
ومثاله أيضا من الشعر قول حجل بن نضلة القيسيّ :
جاء شقيق عارضا رمحه |
|
إن بني عمك فيهم رماح |
فشقيق هذا الرجل لا ينكر رماح بني عمه ، ولكنه مع ذلك يأتي إليهم عارضا شاهرا رمحه مدلّا بنفسه وشجاعته عليهم كأنه يعتقد أنهم عزل من السلاح. فمجيئه على هذه الحال علامة على إنكاره وجود السلاح مع بني عمه ، ولذلك أنزل منزلة المنكر ، وبالتالي ألقي الخبر إليه مؤكدا وقيل له : إن بني عمك فيهم رماح.