أخذوا يضيفون إلى ملاحظات العرب الخاصة في البلاغة ملاحظات الأمم الأجنبية وخاصة اليونان ، ومضوا من خلال ذلك ينفذون إلى وضع المقدمات الأولى لقواعد البلاغة العربية.
وأوّل معتزلي خطا خطوة ملحوظة في هذا السبيل هو رئيس المعتزلة ببغداد بشر بن المعتمر المتوفى سنة ٢١٠ للهجرة ، فعنه نقل الجاحظ صفحات نثر فيها بشر ملاحظات دقيقة في البلاغة ، تلقفها من جاء بعده من العلماء ، واستعانوا بها على بلورة بعض أصول البلاغة وقواعدها.
ولعلّ أكبر معتزلي جاء بعد بشر بن المعتمر وأولى البلاغة العربية عناية فائقة هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ للهجرة. فقد ألّف في البلاغة كتابه «البيان والتبيين» في أربعة مجلدات ضخام جمع فيها معظم ما انتهى إلى عصره من ملاحظات بلاغية ، سواء ما اهتدى إليه علماء العربية بأنفسهم أو ما جاء إليهم منقولا عن آداب الفرس والهند واليونان وغيرهم أو عن طريق ما قاله بشر (١) بن المعتمر وكان به سابقا لعصره في ميدان البلاغة. هذا بالإضافة إلى آراء الجاحظ وملاحظاته الخاصة في القضايا البلاغية ، ولا سيما ما يتصل بالتشبيهات والاستعارات والمجازات التي هي موضوع «علم البيان».
وقد خطا الجاحظ خطوة غير مسبوقة في ملاحظاته البلاغية ، وذلك بالكلام عن التشبيه والاستعارة عن طريق النماذج ، مع التفريق بينهما ، كما استعمل «المثل» مرادفا للمجاز ، وجعله مقابلا للحقيقة ، وذلك إذ يقول عند حديثه عن «نار الحرب» (٢) : «ويذكرون نارا أخرى ، وهي على طريق
__________________
(١) كتاب البيان والتبيين ج : ١ ص : ١٣٥.
(٢) أي غير النار الحقيقية ، وهي التي كان يوقدها العرب ليلا على جبل إذا توقعوا جيشا عظيما في حرب وأرادوا الاجتماع لإبلاغ الخبر إلى أصحابهم.