ومن أمثلته أيضا قول أبي الحسن الأنباري (١) في رثاء مصلوب :
مددت يديك نحوهم احتفاء |
|
كمدّهما إليهم بالهبات |
فالأنباري يشبّه مدّ ذراعي المصلوب على الخشبة والناس حوله بمدّ ذراعيه بالعطاء للسائلين أيام حياته. فالمشبّه وهو هنا الصلب أمر قبيح تشمئز منه النفوس ، ولكن صورة المشبّه به وهي مدّ اليدين بالعطاء للسائلين قد أزالت قبحه وزينته.
فالغرض من التشبيه في هذين المثالين هو التزيين ، وأكثر ما يكون هذا الغرض في المدح والرثاء والفخر ووصف ما تميل إليه النفوس.
* * *
٦ ـ تقبيح المشبه : وذلك إذا كان المشبّه قبيحا قبحا حقيقيا أو اعتباريا فيؤتى له بمشبّه به أقبح منه يولّد في النفس صورة قبيحة عن المشبّه تدعو إلى التنفير عنه.
ومن أمثلة ذلك قول الشاعر المتنبي في الهجاء :
وإذا أشار محدّثا فكأنه |
|
قرد يقهقه أو عجوز تلطم |
فالمتنبي يشبّه المهجو عند ما يتحدث بالقرد يقهقه أو العجوز تلطم. والغرض من التشبيه تقبيح المشبّه لأن قهقهة القرد ولطم العجوز أمران مستكرهان تنفر منهما النفس.
__________________
(١) أحد الشعراء المجيدين ، عاش في بغداد ، وتوفي سنة ٣٢٨ ه. وقد اشتهر بمرثيته التي رثى بها أبا طاهر بن بقية ، وزير عزّ الدولة بن بويه ، لما قتل وصلب. والمرثية التي منها هذا البيت من أعظم المراثي ، ولم يسمع بمثلها في مصلوب. قيل إن عضد الدولة الذي أمر بصلبه لما سمعها تمنى لو كان هو المصلوب وقيلت فيه. انظر المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء ج ٤ ص ٨.