ومن ذلك يرى أن تقدير لفظة «أفعل» لا بدّ منه فيما يقصد به بلاغة التشبيه وإلا كان التشبيه ناقصا.
وقد عرفنا مما سبق أن تشبيه الشيئين أحدهما بالآخر لا يخلو من أن يكون تشبيه معنى بمعنى ، أو تشبيه صورة بصورة ، أو تشبيه معنى بصورة ، أو تشبيه صورة بمعنى. وأبلغ هذه الأنواع تشبيه معنى بصورة ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) ووجه بلاغة هذا النوع تأتي من تمثيله للمعاني الموهومة بالصور المشاهدة.
ومن محاسن التشبيه المضمر الأداة قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) فشبّه الليل باللباس ، لأن الليل من شأنه أن يستر الناس بعضهم عن بعض لمن أراد هربا من عدو أو ثباتا لعدو أو إخفاء ما لا يجب الاطّلاع عليه من أمره. وهذا من التشبيهات التي لم يأت بها إلا القرآن الكريم ، فإن تشبيه الليل بلباس مما اختصّ به القرآن دون غيره من الكلام المنثور والمنظوم.
ومن هذا الأسلوب قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) فشبّه تبرّؤ الليل من النهار بانسلاخ الجلد عن الجسم المسلوخ ، وذلك أنه لما كانت هوادي الصبح وأوائله عند طلوعه ملتحمة بأعجاز الليل أجرى عليهما اسم السلخ ، وكان ذلك أولى من أن يقال : «يخرج» لأن السلخ أدلّ على الالتحام من الإخراج.
ومن محاسن التشبيه المضمر في الأمثال «الليل جنة الهارب» ، ومنه في الشعر قول المتنبي :
وإذا اهتزّ للندى كان بحرا |
|
وإذا اهتز للوغى كان نصلا |
وإذا الأرض أظلمت كان شمسا |
|
وإذا الأرض أمحلت كان وبلا |