كان إلى القبول أقرب ، وللقلوب أخلب ، وللسخائم (١) أسلّ ، ولغرب (٢) الغضب أفلّ. وإن كان وعظا كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ... وهكذا الحكم إذا استقصيت فنون القول وضروبه ...».
ويرجع عبد القاهر تأثير التشبيه في النفس إلى علل وأسباب. فأول ذلك وأظهره أن أنس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفيّ إلى جليّ ، وتأتيها بصريح بعد مكني ، وأن تردّها في الشيء تعلمها إياه إلى شيء آخر هي بشأنه أعلم ، وثقتها به في المعرفة أحكم ، نحو أن تنقلها عن العقل إلى الإحساس ، وعمّا يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع ، لأن العلم المستفاد من طرق الحواس ... يفضّل المستفاد من جهة النظر والفكر ... ، كما قالوا : «ليس الخبر كالمعاينة ولا الظن كاليقين» ، فالانتقال في الشيء عن الصفة والخبر إلى العيان ورؤية البصر ليس له سبب سوى زوال الشك والريب.
فالمشاهدة لها أثرها في تحريك النفس وتمكين المعنى من القلب ، ولو لا أن الأمر كذلك لما كان هناك معنى لنحو قول أبي تمام :
وطول مقام المرء في الحي مخلق |
|
لدياجتيه فاغترب تتجدد |
فإني رأيت الشمس زيدت محبة |
|
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد |
وذلك أن هذا التجدّد لا معنى له إن كانت الرؤية لا تفيد أنسا من
__________________
(١) السخائم : الضغائن ، وسل السخائم : نزعها واستخراجها.
(٢) غرب السيف : حدّه ، وفل السيف : ثلمه ، والمعنى أن الاعتذار يضعف من حدّة الغضب الذي يكون له وقع السيف على النفس.